الاثنين، 9 فبراير 2009

وقفة / نصرت مردان


لا مكان في نصوص القص للترهل بالسرد
وقفة عند (أوراق بعيدة عن دجلة) لمحسن الرملي

نصرت مردان

إن الحدث في نصوص (أوراق بعيدة عن دجلة) يتكون من مجموعة مشاهد منقولة عبر ذهن راوٍ نشط وحيوي يخلق ترابطاً بين مشاهد مرئية وغير مرئية ـ عبر الكشف الذهني ـ مستلة من الذاكرة عبر لغة قصصية ـ شعرية خالصة متداخلة بمهارة ـ حيث يأتي السرد بضمير المتكلم. وقد تحكمت به ذات الكاتب القصصية دون الولوج المعرق خارج حدود الشخصية. ومن المهم هنا بمكان الإشارة إلى قدرته كقاص في خلق علاقة منطقية بين الأشياء والأحاسيس والأحداث، فلا مكان في نصوص القص للترهل القصصي والسرد.
تأتي مصداقية معظم النصوص من استقاء أحداثها من الواقع الذي هو ليس غريباً عن الواقع المقرون بما تفرزه الذاكرة عند القارئ العراقي الذي عاش أحداثها، وما يزال يحمل في ذاكرته ولا وعيه آثارها المدمرة. وكل ذلك منح لنصوص القص اتساعاً في الرؤيا بالإضافة إلى لغة عالية النبرة.. بحيث يحدث ترابطاً في السرد دون تعويم مثل هذه الاستذكارات.
لقد نجح الرملي باقتدار في محاصرة القارئ بمشاعره في كل قصص المجموعة عبر سلسلة من المرئيات والتداعيات والثوابت على نحو شعري. كما نجح كقاص في الحديث عن الزمان والمكان والعلاقات، وـأثيرات الأحداث ودلالتها عبر علاقة الشخصيات بها من زاوية كسر مألوف السرد وتحويله من سرد متسلسل إلى متحول ومتغير، بفعل تغير مستويات الأزمنة ضمن إطار لغة شعرية ترفد هذا الاتجاه في قصص المجموعة.
إن خصوبة مخيلة الكاتب سواء في استرجاع الماضي أو في العبور نحو ضفاف أخرى من التصورات، قد نجحت في خلق تصورات تثري المشهد القصصي، حيث تتداخل هذه الخصائص في معالجة المواضيع القصصية فنياً وموضوعياً بوصفها وسيلة مرتبطة بالمعنى عبر جمل مركزة تفضي إلى اتساع الرؤيا وإخصاب للمشهد عند قيامه بكشف المستور في الذهن القصصي. يتم كل ذلك عند اتساع في رؤيا الحرب والدمار الذي لحق بالوطن وأبنائه.
قرأت نصوص (أوراق بعيدة عن دجلة) القصصية، وكأنني أقرأ قصائد خارجة من قريحة شاعر ابتلي بحب الوطن على الرغم مما لحق بكاتبها من دمار وهموم.. تلك التي نعرفها عن كثب.
فالهم الوجودي في طيات النص هو همنا، والشخوص التي تحدث عنها كانت حتى الأمس القريب نشعر بأنفاسها وأصبحت اليوم تعيش حية في ذاكرتنا.
ولولا قراءتي للعنوان الموضوع لكل نص قصصي، لشعرت خلال فترة قراءتي للمجموعة.. وكأنني أقرأ رواية قصيرة مترابطة في أحداثها ومشاهدها ولغتها الجميلة تدعى (أوراق بعيدة عن دجلة)... إن الأدب مثل السمفونية؛ كل الآلات تعزف من أجل إخراج اللحن بطريقة هارمونية رائعة؛ الأفكار، العواطف، اللغة، الشكل، النص.. في مجموعة الرملي (أوراق بعيدة عن دجلة) تأتي اللغة والأسلوب والنص في تناغم سمفوني رائع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*لم يسبق نشرها.
* نصرت مردان: كاتب عراقي يقيم في سويسرا.

ليست هناك تعليقات: