الثلاثاء، 9 فبراير 2010

زاوية (جداريات) / .. عن النقد والنقاد

.. عن النقد والنقاد

د.محسن الرملي

ربما يكون النقد هو أكثر الأجناس الكتابية التي تتعرض للنقد، فنادراً ما يتم الرضى عنه مثلما لا يمكن الاستغناء عنه، أي أنه (مأكول مذموم). وحين نصفه بكونه جنساً كتابياً أو أدبياً فذلك لأن هذا الأمر قد أصبح من المسلمات منذ أن قال بودلير بأن النص النقدي هو نص مستقل بذاته، أو حتى منذ ما قبل ذلك.
وبشكل عام فإن حال النقد العربي لا يختلف الآن كثيراً عن أحوال النقد عموماً في الثقافات الأخرى، لذا أرى أن نكون أكثر إنصافاً عند حديثنا عنه وأن نتعامل مع واقعه بموضوعية وتفهم إشكالاته وهمومه وتنوع تصنيفاته التي من بين أقطابها الرئيسية ما يسمى بالدراسات النقدية الأكاديمية والنقد الصحفي. فهو في كل الأحوال يعد نقداً وإن تنوعت مناهجه وأساليبه وخصائصه ومستوياته التي تتكيف مع طبيعة واشتراطات الميادين والمنابر التي تتم ممارسته فيها أو من خلالها. وقد آن لنا أن نقر بأهمية النقد الصحفي والاعتراف به كواحد من أذرع النقد المهمة، إن لم يكن أهمها حضوراً وفاعلية في الوقت الراهن، بدل أن نبدد المزيد من الجهد والوقت في المعارضة أو الوقوف أمامه ومقاومة الاعتراف به كما سبق وأن حدث لنا مع الشعر الحر ومن بعدها مع قصيدة النثر مثلاً. فقد صار للنقد الصحفي محترفيه وأساليبه وشروطه التي من بينها على سبيل المثال؛ أخذ الناقد بعين الاعتبار مسألة الموازنة بين المعرفة النقدية والمعرفة الصحفية، وبكونه يعرض ويُسوق المعلومات أكثر من سعيه للحكم، حرصه على الإيصال بما يتناسب وطبيعة منبر النشر ونوعية القارئ المتلقي له.. وبالتأكيد دون التهاون بالعناية برؤيته وأسلوبه الخاصين. كما تبقى من المواصفات الجوهرية للناقد، أي كان تخصص اشتغاله، مسألة عدم الكف عن المتابعة أو على الأقل ألا يفقد هذا الهاجس وهذا الحس بواجب المتابعة الدائمة لكل ما هو جديد. وفي كل الأحوال فإنه لمن الاستحالة تحييد الذائقة الشخصية للناقد مهما حاول إخفائها أو أن يبدو حيادياً فعادة ما يخلص القارئ إلى انطباع عام يفهم منه انطباع الناقد عن النص المنقود مدحاً أو قدحاً.
يشار أحياناً إلى أن أفضل نقاد الشعر هم شعراء مثلما أن أفضل مترجمي الشعر هم شعراء ويقال عن ناقد النثر، الذي لا يعجبنا رأيه، بأنه كاتب فاشل، وعن الناقد الصحفي بأنه ينحاز لمصالحه وعلاقاته الشخصية ولا يتبع المناهج، وإلى الناقد الأكاديمي بأنه متحجر معزول في مختبراته الجامعية يضحي بالنصوص على مذبح مباضع المناهج النقدية التي ماتت.. وقيل ويقال وسيقال الكثير دوماً عن النقد والنقاد، فالنقد يغري بالمزيد من الحديث عنه سلباً وإيجاباً، بشكل لا ينتهي، وهذه المزية تحسب له كونها دليل آخر على غناه وأهميته، ومهما ادعى مبدع ما بأن النقد لا يهمه فعلينا أن نضع قوله موضع الشك، فالكلمة تحتاج إلى الكلمة كحاجة الإنسان للإنسان.
وإذا كنا نتحدث أحياناً عن موت جنس أدبي معين فإننا أبداً لا نجرؤ على الحديث عن موت النقد، هذا الضروري دائماً والحي القادر على التكيف وعلى تجديد نفسه وتنويع أشكاله وأساليبه ووسائله إلى ما لانهاية.. فتحية وشكر له ولكل المشتغلين فيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر في زاوية (جداريات) في الملحق الثقافي لصحيفة (الثورة) السورية بتاريخ 9/2/2010 العدد 678

ليست هناك تعليقات: