الخميس، 18 أكتوبر 2012

"حدائق الرئيس" صرخة روح تبحث عن السلام / محمد عبدالكافي

"حدائق الرئيس" صرخة روح تبحث عن السلام
                    محمّد نجيب عبدالكافي
قرأتها بتمعّن وألم، وبنوع من الإعجاب بالمؤلف، لكنّني عجزت عن تصنيفها بدقة. فهي تصلح كرواية، كمسرحية وكوصف تاريخي بنقل صحفي، لوضع ما، في بلد ما، في زمان ما! بل وفي نصها نوع من طرح موعضة وتنديد وتشهير وحسرة وأوجاع. فلعلّها كلّ تلك الأصناف التي ذكرت مجتمعة، جاءت في شكل ما اعتدنا تسميته بالرواية. فإن هي كذلك، فهي إذن من الصنف النّادر في هذا الجنس أو اللون الكتابي الأدبي.
إني أتحدّث عن آخر ما قرأت من إنتاج الأديب العراقي المغترب، الصّديق الدكتور محسن الرملي، بعنوان "حدائق الرّئيس". وأكاد أقول هنا، ليتني لم أكن للكاتب صديقاً، رغم اعتزازي بهذه الصّداقة، وذلك كي لا يؤخذ قولي عن إنتاجه مأخذ التحيّز أو المحاباة والمجاملة. لكن عزائي في هذا، هو أنّ من عرفني قد عرف بأني لا أجامل، وأني أعتبر قولة الحقّ، من الفرائض في مذهبي الشخصي وسلوكي، كما سبق وأن فعلت، فقد سلكت هذا السلوك، وقلت الحقيقة، وقلت لا، في وجه الظلم وأصحابه منذ مقارعتي للاستعمار فيما سبق من العمر. لذا أقول بكلّ اطمئنان وإيمان، أني فرغت من قراءة "حدائق الرّئيس" بيقيني أنها عمل جيّد، صادق، جذّاب، مكتمل شروط القصّة، ومستلزمات النقل الصّحفي، وجاذبية اللّوحات الوصفيّة، وخصائص المسرحية.
إنّ الكاتب المجرّب محسن الرّملي، يقدّم لنا عراقه الذّبيح، بصدق وأمانة ودقيق وصف، فيجعلنا نعيش عن قرب أحلامه وآماله، عثراته وأحزانه، آلامه واحتضاره، بعد إطلاعنا على الكثير من عادات أهله، وسلوكهم، تعايشهم، حبهم، كراهيتهم، صدقهم، كذبهم، فنتعرّف على شعب يعبر فترة حرجة صعبة من حياته، لكنه يحتفظ بإنسانيته، إنسانية بشرية بما فيها من خصال وعيوب، وطموحات وخيبات، ونجاح وفشل، فنلمس الواقع في تلك الديار حتى وكأننا في ربوعها.
كل هذا جاء بلغة سليمة، اللغة السّائدة اليوم، والتي أعتبرها قريبة للصحافة، إن لغــة "حدائق الرّئيس" لغة سلسة مستساغة، مفعمة بخاصية هذا الكاتب وهي جرأته على استعمال عبارات، قد نعتبرها، وأنا بالخصوص، جريئة أو بذيئة، رغم أنها من المتداول السيار المستعمل بين أفراد مجتمعاتنا صغارا وكبارا، كلّ حسب وسطه وحالته. فمحسن لا يتأفف من استعمال تلك العبارات، فيزداد عمله بهذا صدقا وواقعية، ويضيف إلى وصفه لونا يقرّب القارئ ممّا هو واصف له.
لم يكتف الكاتب القدير محسن الرّملي بالسّرد والحكي، بل طرح موعضة وحذّر وندّد وانتقد ونصح، متجنّبا محاكاة الخطباء، أو التشبه بالمسيّرين الموجهين، مكتفيا بإبداء آراء وشذرات نفسية، فتطفو الإنسانية في أسمى معانيها، وكل هذا دون التعرّض أو تسمية أيّ شخص أو الدّخول في متاهات السياسة، رغم هيمنتها على كلّ الرواية.
قد يجدر بي التوسّع في القول والتعريف بهذا العمل، لكني لم أنو النقد ولا التقديم، بل هو رأي، مجرّد رأي عنّ لي فحبّرته. لذا أختم بمقتطف ممّا قرأت فاستحسنت، ليس هو الأفضل ولا الممثل المبرهن على كلّ ما تقدّم، لكنه صوت نفس تدعو للتسامح أو صرخة روح تبحث عن السلام الذي افتقدناه في أقطارنا العربيّة، وهو ما يحتاجه العراق الضحية. يقول محسن، على لسان أحد أبطال روايته: "وإن لم يكن السّلام هو الغاية الأخيرة، فعلى الأقل، ليكن محطّة راسخة لنا نتمكّن فيها من التفكير بغاياتنا الأبعد، ومن محطّة السّلام هذه سننطلق نحو تلك الغاية الأبعد ثمّ الأبعد... وهكذا انطلاقا من محطّة كانت غاية إلى محطّة أخرى صارت غاية جديدة وصولا إلى الهدف أو المعنى الأخير، أو ربّما مواصلة البحث، فعلى الأقل نكون قد ضمنّا محطّة سلامنا الأولى التي سنعود إليها كلما أعيانا البحث أو أخطأناه، أو لمجرّد أن نستريح. نعم... السّلام."
.. إنها تنهّد مكلوم، يحمل الدرس والعبرة ورسم الطريق. فهل من سائر على الدرب؟

-----------------------------------
*نشرت في صحيفة (أندلس برس) العدد 28 بتاريخ 19/10/2012م. مدريد