الأربعاء، 20 فبراير 2013

محسن الرملي يحاضر في لندن عن "حدائق الرئيس" و"الكيخوته"

محسن الرملي يحاضر في لندن عن "حدائق الرئيس" و"الكيخوته"
لندن – ثقافية الغد
قدم الكاتب العراقي الدكتور محسن الرملي محاضرتين مهمتين في لندن، حيث استضافة المركز الثقافي العراقي ليتحدث عن روايته الأخيرة "حدائق الرئيس" والتي ترشحت للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية وحظيت باهتمام نقدي لافت، فتطرق الرملي أولاً إلى أهمية الثقافة لصيانة وترميم الهوية العراقية "إنها هي التي تمثلنا أمام أنفسنا وأمام الآخر" مبيناً كيف أنها هي التي تحضر قبل وبعد كل شيء عندما نتحدث عن العراق، وضرب مثالاً حضور أجواء ألف ليلة وليلة الأدبية في ذهن أي شخص في العالم حالما يسمع اسم بغداد، وأسف جداً على إهمال ترجمة الأدب العراقي إلى اللغة الإسبانية التي تعد اللغة الثانية في العالم ويتحدث بها أكثر من 400 مليون شخص، قائلاً بأن آخر رواية عراقية قرأوها في أمريكا اللاتينية هي (ألف ليلة وليلة)، ثم تحدث عن حال الرواية العراقية الآن وقال أنها بخير وأن كل الروايات التي قرأها مؤخراً قد أعجبته إلا أنها لازالت قليلة من حيث الكم، وأننا بحاجة إلى كتابة المزيد من الروايات كي نتمكن من التعبير عما حل بالعراق من تغيرات وعن آلام وأحلام الناس، كما أن الأدب ذاكرتنا وعلينا أن نحفظ ذاكرتنا من النسيان، وأشار إلى أن الشعر العراقي قد قام بدوره بامتياز إلا أن الأمر الآن يحتاج إلى مزيد من الانتاج والتوزيع للروايات في العراق. وأكد على أن "الإبداع العراقي مظلوم بسبب الظروف القاهرة التي أدت إلى تشتته وتشتت مبدعيه مما جعله يخسر أحد أهم أركانه ألا وهو المتلقي العراقي، فالتواصل والتفاعل مع القارئ هو الذي يساعد ويقود إلى نضج الأعمال"، وأشار إلى أنه شخصياً قد تعلم كثيراً من آراء وردود أفعال القراء على أعماله أكثر مما تعلمه من أقرانه من الكتاب. وعن تجربته الروائية قال بأن مواضيعه الرئيسية تدور حول: الحرية، معنى الألم والموت والحب فهي بمجموعها تمثل قضايا الحياة الرئيسية وتتعلق مباشرة بمعنى وجودنا. وأشار إلى أن كل أعماله تدور عن العراق، فروايته الأولى (الفتيت المبعثر) تتناول سنوات الحرب العراقية الإيرانية، وروايته الثانية (تمر الأصابع) تركز على العديد من الثنائيات التي تتعلق بإشكاليات المغترب العراقي، بين الدكتاتورية والحرية، الشرق والغرب، الثأر والتسامح، المعاصرة والتقاليد وغيرها مما يتعلق بإشكالية الهوية عند المهاجرين، أما في (حدائق الرئيس) فإنه حاول قول ما باستطاعته حول الذي حدث في العراق على مدى الخمسة عقود الأخيرة وتأثير التقلبات العنيفة على حياة الناس البسطاء، مشيراً إلى أن روايته ليست تاريخية وإنما تتخد من الأحداث التاريخية خلفية لها كما أنها ليست رواية ديكتاتورية فحسب وإن شكل تناول هذا الموضوع جزءاً كبيراً منها. وأنها رواية تسعى لتوضيح تعقيدات الوضع العراقي للآخرين وإعلاء صرخة الضحايا والتعبير عنهم رافضاً أن تعتبرهم وسائل الإعلام مجرد أرقام.
هذا وقد شهدت محاضرة الرملي التي دامت لأكثر من ساعتين تفاعلاً كبيراً من قبل الجمهور الذي وجه إليه العديد من الأسئلة ومنها عن دعوة البعض لكتابة الحوار بالعامية فقال أنه لايميل لذلك ولا يعتبر استخدامها كوسيلة تعبر أكثر عن الشخصيات البسيطة للفلاحين مثلاً، فنحن عرفنا بلا أية مشكلة ما تعبر عنه الشخصيات الفلاحية في رويات الأدب الروسي وأمريكا اللاتينية وكل آداب العالم التي قرأنها مترجمة بالعربية الفصيحة. كما عبر عن عدم اتفاقه مع من يقول على الكاتب أن يكون متواجداً في العراق كي يكتب عنه، مؤكداً على أن الكل ضروري من كتاب الداخل والخارج وأن "بعضنا يكمل البعض الآخر" وقال بأن أي عراقي يحمل العراق في قلبه وذاكرته ويكاد يعيش كل تفاصيلة مهما كان بعيداً عنه، كما أنه ليس شرطاً أن يعيش الكاتب في القمر ليكتب رواية عن القمر أو أن يكون حيواناً ليكتب رواية (مزرعة الحيوانات) بل أن الأدب يفضل ما هو خيالي أكثر "وأتمنى أن يأتي اليوم الذي نفي الواقع العراقي حقه من التعبير عنه كي نتجه بعدها للبحث في إمكانيات الإبداع الخيالي، ولكن للأسف فواقعنا المكتظ بالأحداث الكبيرة لم يتح لنا الفرصة لذلك حتى الآن".
أما المحاضرة الثانية للرملي في لندن فقد استضافته فيها (مؤسسة الحوار الإنساني) ليتحدث عن "تأثيرات الثقافة الإسلامية في الكيخوته" والتي كانت موضوعة لأطروحته للدكتوراه، وأهلته لأن يكون أحد المختصين البارزين بالدراسات الثربانتيسية، فاستعرض فيها وبالأرقام العناصر التي توصل إليها في بحثه، وتطرق إلى التأثيرات الإسلامية التاريخية والدينية والأدبية، مؤكداً على أن شخصية الكيخوته كفارس تنطبق تماماً وفق شروط الفروسية الشرقية الاسلامية التي تدافع عن الفقراء واليتامى والأرامل ولا تنطبق مع شروط الفروسية الغربية التي تركز على حماية الحاكم.
وقال "إن حضور وأثر الثقافة العربية الإسلامية في الكيخوته أكبر من حضور وتأثير أية ثقافة أخرى، باستثناء الإسبانية طبعاً كونها ثقافة المؤلف الأصلية والتي هي بدورها، أصلاً، متغذية على أنساق من الثقافة العربية الإسلامية على مدى مايقرب الثمانية قرون، هذا على الرغم من معرفة وإعجاب ثربانتس بثقافات أخرى كالإيطالية والبرتغالية مثلاً، إلا أن الثقافة العربية الإسلامية تأتي بالمقام الثاني بعد الإسبانية من حيث حصتها في الكيخوته شكلاً ومضموناً.."
وأشار إلى أن رواية "دون كيخوته" تعد الأم الحقيقية لكل الروايات الحديثة في العالم وأن كل ما تلاها من تجارب وتقنيات، مهما تكن، نجد بذرتها في هذه الرواية الأم، والتي تعتبر قمة ما أنتجته الثقافة الإسبانية، لذا تسمى اللغة الاسبانية بلغة مؤلفها ثربانتس مثلما تسمى الإنكليزية لغة شكسبير والأيطالية لغة دانتي وغيرها. ولأهميتها قال محسن الرملي بأنه لو كان هناك امتحان أو شروط ليكون الشخص روائياً فإنه سيشترط امتحان الكتاب أولاً بأهم عملين في هذا المجال ألا وهما "ألف ليلة وليلة" و"الدون كيخوته".
--------------------------------------
*نشرت في صحيفة (الغد) العراقية، العدد 266 بتاريخ 18/2/2013م.

ليست هناك تعليقات: