الثلاثاء، 13 أغسطس 2013

محسن الرملي راض بازدواجية هويته/ حاوره: خالد بيومي

الكاتب العراقي محسن الرملي :
اختيار المنفى هو أهون الشرور رغم قساوته
راضٍ بازدواجية هويتي وأتمنى لو أنها أكثر تعدداً
حاوره: خالد بيومي
صحيفة (روز اليوسف) المصرية، بتاريخ 13/8/2013
الكاتب العراقي محسن الرملي مبدع من مبدعي العراق الذين دفعوا ثمنا غاليا ومؤلما للديكتاتورية التي حكمتهم لفترة طويلة، غادر دياره لمنفى إجباري بعدما أصبحت مجرد الحياة فى الوطن غير مضمونة، رغم سنوات عمره التي أهدرها الانتقال لمجتمع جديد والتأقلم معه قانونياً وثقافيا، يرى أن تجربة الانفتاح والاختلاط والتبادل الثقافي سواء المباشر أو الناتج عن الترجمة من أهم مقومات بناء الحضارة الإنسانية.. محسن الرملي الذى يكتب الشعر والقصة والرواية والمسرح إلى جانب عمله الأكاديمي، حدثنا فى هذا الحوار عن مميزات التنوع الثقافي واللغوي كما يراها، وعن رؤية الغرب لثورات الربيع العربي ورد فعله، ورؤيته هو الشخصية وتأثيرها على المستقبل السياسي للعراق ...
 فى هذا الحوار:
 *لماذا كانت الهجرة من العراق إلى إسبانيا؟
ـ لأن الحياة لم تعد تطاق هناك، بل أن مجرد الحفاظ على الحياة صار مهَدداً، وخاصة بعد أن تم إعدام أخي الكاتب حسن مطلك بتهمة الاشتراك في محاولة لقلب نظام الحكم عام 1990 كما أعدمت الدكتاتورية واعتقلت العديد من أقاربي وأصدقائي وأغلقت كل الأبواب في وجوهنا من حيث فرص العمل والعيش الكريم والآمن وتضاعفت المتابعات والمضايقات الأمنية الخانقة والمُذلة، كل ذلك وسط ظروف محيطة قاهرة من حصار اقتصادي وقمع لكل الحريات وسلب لأبسط الحقوق وخراب متواصل في ظل دكتاتورية شرسة، فكان قرار الهجرة واختيار المنفى هو أهون الشرور رغم قساوته ومرارته في البداية، فهاجرت أولاً إلى الأردن وبعدها بعامين إلى إسبانيا.
*ماذا أعطاك المنفى وماذا أخذ منك؟
ـ أعطاني الحرية والأمان ومعرفة الآخر المختلف وثقافته عن قرب، وأخذ مني دفء العائلة والأهل والأصدقاء والأحلام الأولى وتصوراتي عن الوطن، كما أخذ من عمري أعواماً طويلة تمت التضحية بها من أجل ترتيب حياة جديدة وما يتعلق بأساسياتها من تأمين مصادر للعيش وأوراق قانونية والتكيف مع ثقافة مختلفة وغيرها.
*تكتب الشعر والقصة والرواية والمسرح والعمل الأكاديمي.. كيف توفق بين هذه الاهتمامات؟
ـ ربما العكس هو الصحيح، أي أنها، ومن خلال تنوعها، هي التي توفق بيني وبين نفسي المتعددة في ظروفها واهتماماتها وقلقها وهمومها الوجودية والواقعية والنفسية، أشعر بأنها تشبهني من حيث أنها تبدو متعددة في الظاهر بينما هي في الأصل واحد، أي أنها كلها (كتابة)، لذا عادة ما أفضل تصنيفي كـ(كاتب) بدل القول شاعر أو قاص أو روائي أو مسرحي أو أكاديمي.. وأنا أثناء الكتابة لا أجد إشكالية في هذه التصنيفات الفنية الإجرائية فيما يتعلق بالأجناس الكتابية وذلك بحكم بداهة أن المضمون أو الموضوع هو الذي يختار أو يفرض الشكل الكتابي الذي يناسبه.
*أين تجد نفسك أكثر؟
ـ أجد نفسي أولاً في القراءة لأنها جزء أساسي من فعلي اليومي منذ أن عرفت القراءة وبفضلها بدأ تعرفي الحقيقي على العالم ورافقتني ولازالت بشكل يومي وسترافقني العمر كله حتى النهاية، أما الكتابة فهي ليست من سلوكي اليومي وإنما لها أوقاتها المتباعدة ومتطلباتها الظرفية والمزاجية الخاصة. أما عن الأجناس، فأنا أجد نفسي في السرد أكثر وبشكل أخص في الرواية، على الرغم من قلة إنتاجي فيها. ذلك أن الرواية تمنحني مساحة أكثر من الحرية والتعبير عما يعتمل في نفسي من هواجس وأفكار وذكريات وقلق واحتجاج ونقد وأحلام ورؤية وغيرها، وتتيح لي مشاركة الآخرين والتعبير عنهم، ومن بعض ما أجده فيها أيضاً: التخفيف أو (التطهير) وفق وصف أرسطو القديم لوظيفة الفنون التعبيرية. ورغم صعوبة الكتابة وما تتطلبه من بذل جهد ووقت إلا أنها تتيح لك أن تعيش المتبقي من جهدك ووقتك بشكل نفسي وإنساني أفضل وأعمق.
*تكتب بالعربية والإسبانية.. ألا يشكل ذلك ازدواجا في الهوية؟
ـ نعم هو كذلك، ولكنني تكيفت مع هذا الازدواج أو حتى التعدد والانشطار أحياناً بحيث أصبحت أحبه وصار هو الوجه الأبرز لهويتي أو شخصيتي، كان هذا الأمر يقلقني في البدايات لكنه الآن أصبح يريحني ويمثلني أكثر بعد أن أدركت بأن موضوع (الهوية) الذي صدعونها به في الأعوام الأخيرة يقترب من نهايته كموضة، وأنه كان قائماً على أوهام في أغلبه وأن الواحدية الثقافية أو النقاء الثقافي أو العرقي ما هي إلا أوهام لا أساس لها من الصحة وتتعارض مع ما هو إنساني صرف، وأكثر من سوّق لهذه الموضوعة كان مدفوعاً لأسباب سياسية واقتصادية أو حتى عنصرية. أنا راض بازدواجية هويتي ومنسجم معها، بل وأتمنى لو أنها أكثر تعدداً مما هي عليه الآن.
*تُرجمت أعمالك إلى لغات أجنبية.. كيف ترى دور الترجمة في الحوار بين الحضارات؟
ـ لا شك أن دور الترجمة عظيم في خدمة البشرية جمعاء وكل حضاراتها، وليس هناك أي وجود لحضارة تستحق أن تسمى (حضارة) ما لم تستفد من الحضارات الأخرى ومن الترجمة عنها وإليها. إن أهمية الترجمة لا تقل أبداً عن أهمية وظيفة اللغة الخاصة التي نتحدث بها لنتفاهم مع القريبين منا، فهي بمثابة اللغة التي نتفاهم بها مع البعيدين وكلما زادت الترجمات بين اللغات والثقافات كلما زاد واغتنى الحوار وبالتالي الفهم والتفاهم بينها، وأنا عادة ما أحلم وأدعو لإيجاد وزارات للترجمة أسوة بوزارات مثل الخارجية والتربية والمواصلات والاقتصاد وسواها.
*كيف ينظر الغرب إلى الربيع العربي؟
ـ في البداية هزته المفاجأة، ثم الدهشة ثم الإعجاب بحيث أن كبرى صحفه قد كانت تتصدرها كلمات عربية في تلك الأيام مثل (حرية) و(تحرير) و(إرحل) وغيرها، والغرب هو الذي أطلق تسمية (الربيع العربي)، وبما أن الغرب عقلاني فسرعان ما تجاوز انفعالاته الأولى وراح يحلل ويطرح الأسئلة ويدرس كل ما يتعلق بهذا الربيع من أسباب وكيفية وأبعاد واحتمالات مستقبلية من مخاوف وآمال، وبالطبع تأتي على رأس أولوياته مسألة النظر إلى مصالحه وما يخدمه هو مما يحدث.
*هل تعتقد أن الربيع العربي أثر بالسلب على القضية العراقية أم ساهم في تسليط الضوء عليها؟
ـ أعتقد بأنه أضرها أكثر مما نفعها، فقد همشها إعلامياً من جهة ومن جهة أخرى زاد من تكالب القوى الداخلية والخارجية اللاعبة في العراق لفرض المزيد من سبل التحكم وقمع انتفاضته وتجيير البلد بمجمله وفقاً للمعادلات الإقليمية التي ينتجها هذا الربيع العربي لمصلحة هؤلاء اللاعبين وليس لمصلحة العراق. علماً بأن الشعب العراقي كان أول المنتفضين ضد الدكتاتورية وذلك عام 1991 وأوشك أن يسقطها لولا تدخل القوى الخارجية للإبقاء على النظام فدفع الشعب العراقي ثمناً باهضاً ولازال، ومع ذلك فقد حقق الشعب الكردي من يومها هدفه بالتخلص من هيمنة السلطة الدكتاتورية في المركز واستطاع بناء ذاته إلى حد بعيد وهو ما نرى ثماره الإيجابية الآن. إن العراق ينظر وينتظر، ويده على قلبه، ما سوف يتمخض عنه الربيع العربي في البلدان التي شملها التغيير لأن ما سيحدث فيها سيؤثر عليه سلباً أو إيجاباً.
------------------------------
*نشر في صحيفة (روز اليوسف) المصرية، العدد 2501 بتاريخ 13/8/2013م
 


الثلاثاء، 6 أغسطس 2013

قراءة في رواية " تمر الأصابع "/ محمد بوحبيب

قراءة في (تَمر الأصابع) لـ محسن الرملي من العراق
بقلم: محمد بوحبيب
قسم الكاتب نص الرواية ستة عشر فصلا، وسرد فيه المأساة العراقية من: ظلم الحكم، والعلاقات المتوترة بين سلطة هذا الحكم، وفئات الشعب المتسم بتعدد الأعراق، والمذاهب، وحتى الديانة.. وأظهر كيف أن الحكم عمل على تدجين الجميع، وسكبهم في قالب، صنعه على المقاس مثل كثير من أنواع الحكم ـ خاصة في البلاد العربية ـ  ونتج عن ذلك تمرد وعصيان، أحيانا، وهجرة ”جماعية”، اتقاء شر السلطة.
(في النص تناول الكاتب نوعين من الهجرة: هجرة داخلية، تمثلت في هجرة آل مطلق، إلى ما يشبه جزيرة، هربا من عار الاسم الذي أطلقته المخابرات على أفراد القبيلة” القشامر”. هذا الاسم الذي يعني الإهانة والاستخفاف.. وهجرة إلى الشتات، وقد خص بها الكاتب إسبانيا وألمانيا..).. وهو ما نجده مع البطل الراوي “سليم مطلق”، وأبيه “نوح مطلق”.. اللذين حزم كل منهما ـ بعدما أخبر الأول أخته استبرق ـ وأخبر الثاني زوجته، وخيرها بين استقلالها والزواج، أو البقاء في عصمته.. وركب كل منهما المجهول، إلى أي بقعة من الأرض. وحدث أن التقيا في مدريد ـ إسبانيا.
وتميز النص بحدة الصراع، إن في المفاهيم، وإن في العلاقات الاجتماعية: ما حدث بين قبيلة مطلق والسلطة، وبين أطياف أخرى والسلطة..
لقد صرح الكاتب محسن الرملي، في جريدة (الخبر) مع الأستاذ حميد عبد القادر، أنه لا يمكن أن يكتب المرء عن الحب في العراق؛ لأن العراق، التاريخ لم ينل حقه من الهناء والهدوء. ولكنه فعل؛ ربما يريد ـ كمواطن عراقي ـ أن يكسر الجليد الذي جثم على الأوضاع في هذه الناحية.. أولاً تحت الحكم السابق؛ لمدة غير يسيرة. ثم لسبب أكثر إلحاحاً، وهو الوضع الذي آل إليه عراق الحضارة والتاريخ، بعدما تكالبت عليه الأطماع من كل جانب..
وقد شخص عاطفة الحب بين أفراد العائلة ـ القبيلة: الارتباط الوثيق بين الجد والأحفاد. علاقة “نوح بأبيه” وتقديسه إياه.. علاقة “سليم” بأبيه ”نوح”.. علاقة سليم بأهل عمه ـ خاصة ـ بعالية ـ بنت العم. على عادة العرب..
ثم شخص الحب ـ على غير صلة الرحم ـ أي الحب المبني على التعلق بطرف آخر.. بدءا بعلاقة سليم بعالية بنت العم.. وبشكل فيه من الإنسانية، أكثر من الاشتهاء الجنسي.. خاصة بين “نوح” و“روسا” الإسبانية.. وبين البطل الراوي وفاطمة المغربية.. وبين نوح وفاطمة..
ولكن أكثر ما يوحي إلى الحب البدوي ـ القبلي، ذاك الذي صوره بين سليم وعالية (حب جارف متأجج، ولكن مخفي عن جميع الأفراد، إلا إستبرق).. وبين “صراط” و” إستبرق".. وعلى الطريقة الكلاسيكية يصطدم الحب دائماً، بعوائق العرف والدين.. وهو ما حدث لعلاقة سليم وعالية، إذ كانت نهايته الغرق في النهر ” على طريقة بول وفرجيني”.. وهذا لا يعني بالضرورة، أن الحب بين سليم وعالية، قد فشل وانتهى، بقدر ما يعني أن غرقه، وسيلة ونوع من التوابل للحفاظ على تأججه وحياة جذوته في نفس سليم.. وكم من مرة جعلته المواقف يسترجع تلك القوة من التوقد والحنين، إلى عالية..
لماذا اختار الكاتب لروايته العنوان "تمــر الأصــابع":
القضية تبدأ من صبا البطل الراوي ” سليم”، لما كان يلاعب ابنة عمة ـ حبيبته عالية، ويتدرب معها على ممارسة طقوس الحب؛ فكان يطلي أصابه بعسل التمر، وتقوم عالية بدورها بمص أصابعه ولحسها.. ثم تدهن هي أصابعها، وحلمتي نهديها بالتمر، ليقوم هو بمصها.. فكانا يرتفعان إلى أعلى مراتب اللذة والتوحد.. ” أخذت عالية تفتح أزرار ثوبها، أو تخلعه، ثم تطلي نهديها بعصير التمر، ثم تستلقي على قفاها على الرمل، مغمضة العينين، وتاركة لي لعقهما، مصهما، حبهما، ولها التأوهات والرعشة).. ص69. ولما التقى أباه في مدريد، وجده يفعل نفس الشيء مع صديقته وحبيبته “روسا”.. خاصة وأبوه قد تم إخصاؤه بفعل التعذيب من طرف شرطة الحكم في العراق.. وبذلك يسترجع، كذلك لماذا كان الجد، يحرص على توفر كيس تمر دائماً في البيت.. فتساءل:” قادني إلى التساؤل عن إصرار جدي على توافر كيس تمر في بيتنا.. فهل جدي مثلنا هو الآخر ربما نحن في الأصل شخص واحد..” ص145..

عن أبطال النص:
الأب نوح: أبو البطل الراوي.. نوح هو ابن مطلق.. رجل ريفي.. يعيش على تقاليد القبيلة.. وعلى شهامة الموروث الثقافي.. لم يتقبل أن يمس هذا الراكب سيارة المرسيدس شعرة من بنته “إستبرق”؛ فأشبعه ضربا، ليكون مصيره بسبب ذلك السجن… ثم طلق حياة البادية في العراق، وهاجر إلى إسبانيا ـ بمساعدة إحدى السائحات؛ وهي صديقته روسا ـ ليستقر في مدريد؟ ولكن كيف؟؟ لقد حلق شاربه، وصبغ شعر رأسه، في خصلتين: حمراء وصفراء.. وعلق في أذنه قرطا من حلقتين، على طريقة الغجر.. وصار يسير أحد المراقص والملاهي، بمساعدة صديقته.. وهو الذي كان يطيع أباه، طاعة عمياء ـ لا يستطيع حتى أن ينظر في عيني أبيه ـ"لم يرفع عينيه إلى وجه أبيه أبدا، ولكنه تمسك بالرصاصة الثالثة، وحولها ميدالية مفاتيح”.ص18.. وأطلق على ملهاه اسم (ملهى القشامر) لغرض مضمر في نفسه.. لقد تغير الأب في نظر البطل الراوي، ولم يستطع أن يقتنع بأن هذا الرجل الذي أمامه، هو أبوه حقا؛ الذي جر القبيلة كلها، لمهاجمة الشرطة في محافظة ” تكريت”. بسبب أن أحد الوجهاء، قد لامس مؤخرة ابنته “إستبرق”.. وها هو يغازل فاطمة المغربية أمام ابنه.. يصفعها على مؤخرتها تماما، مثلما فعل ذاك
إذن لا بد أن يكون هناك سر في هذا التغير ـ تساءل سليم عدة مرات ـ لقد اتخذ لنفسه عشيقة، وهذا أمر جلل بالنسبة لمن نشأ في محيط تحكمه تقاليد صارمة، مثل التي نشأ فيها نوح. كان البطل الراوي يكتشف ـ أباه الجديد ـ كما يقول عن ذلك من خلال، تردده على المرقص، الذي يسيره، وأبى إلا أن يسميه باسم القرية التي أنشأتها القبيلة، بعدما رحل بها الجد، هربا من الظلم ـ مرقص القشامر ـ وكل هذا لا يمثل سوى المظهر.. أما الجوهر، فهو حفاظه الشديد على خصوصياته التراثية والثقافية.. فقد فرض على الفتاة ” فاطمة المغربية، أن تحفظ سورة البقرة كاملة، حتى يقبل بتوظيفها في مرقصه.. ويمتحنها مع نهاية كل شهر، باستظهارها، فإن أخطأت خصم من راتبها، وإن قرأتها من غير خطأ، أكرمها بزيادة في راتبها.. واستطاع أن يحتل مرتبة حسنة، بين أنواع البشر، رواد المرقص.. وصاروا يتبركون باسمه، لأنه في الحقيقة اسم نبي.. وهو يقول في كل مرة: الله هو الذي اختار لي هذا الاسم.. ولا يتورع مع ذلك أن يغازل صديقته أمام الجميع، وكذلك فاطمة المغربية.. هو هنا إذن من أجل الثأر.. الذي أقسم عليه بالمصحف، أمام والده، وأكد ذلك لصديقه الكردي.. لقد صار خصمه ملحقا بسفارة العراق في إسبانيا.. وهو السر الذي طالما تساءل عنه سليم، وحاول ـ فيما بعد جاهدا ـ ثنيه عنه..
البطل الراوي: سليم بن نوح بن مطلق… أصغر أبناء نوح.. شارك القبيلة في الهجوم على محافظة الشرطة، في تكريت؛ لتحرير أبيه نوح.. ونال من الشرطة نصيبه من التعذيب والإذلال.. خرج من المخفر بهوية جديدة..( وهو ما يوحي للقارئ، أن الحكم الشمولي، لا يترك أي وسيلة، ولا أي فرصة، إلا ويستغلها ويوظفها، في التأثير على الرعية، وقولبتها حسب قواعد أيديولوجيته ).. هاجر مع قبيلته، تحت توجيهات جده وقيادته (هجرة داخلية) ثم فيما بعد، هاجر إلى إسبانيا.. يشتغل سائقا لسيارة توزيع الصحافة، ويمارس الكتابة.. هو إذن واحد من المشردين من بلادهم، بفعل الطغيان، مثله مثل أبيه، وغيرهما..
الجــد: مطلق. الأب العضوي لنوح مطلق.. وكذلك الأب الروحي له ولأبنائه، وأفراد قبيلته.. يمارس السلطة المطلقة (بالارتكاز خاصة على الدين).. يبدو ذلك جليا، في طريقة اختيار الأسماء للمواليد الجدد في العائلة (يفتح المصحف على أي صفحة، ويضع أصبعه عشوائياً على كلمة من كلمات القرآن الكريم، لتكون اسماً لهذا المولود أو ذاك: نوح.. سليم.. صراط. إستبرق..). وكذلك تعامله مع زوجاته: زوجته الأولى قطع لها أصبعها، لمجرد أنها أشارت به إليه.. والثانية لم يعرف أحد كيف تخلص منها.. أما الثالثة، وهي جدة البطل الراوي، فهي التي منحته كل أولاده.. وبقي أثره السلطوي يتبع نوحاً وسليما، إلى ديار الغربة..
 .. فضح وسائل القمع التي وظفها الحكم: من وسائل القمع التي اعتمدها النظام ـ الحكم، تغيير أسماء الأشخاص، وألقابهم العائلية؛ لأن  الأسماء والألقاب، هي جزء من شخصياتهم وتراثهم، وتغييرها هو محو لتلك الشخصية، وطمسها.. فاسم عائلة البطل الراوي: “مطلق”، صار “قشمر” في بطاقات هوية جديدة، وزعت على أفراد القبيلة، عند خروجهم من الحجز، وهم يحاولون تحرير نوح.. وقشمر ـ بلسان البطل ـ تعني في العامية العراقية الاستخفاف والإهانة. أما في اللغة الفصيحة، فتعني القصير الغليظ،( فكلا المعنيين يعنيان الإهانة، وإلغاء إنسانية الإنسان..).
 ..الرفض الجماعي للسلطة ونظام الحكم: ويتجلى ذلك في اتصال الجد بشيوخ القبائل، على اختلاف أعراقهم ومذاهبهم، ومعتقداتهم، من: أكراد وتركمان، ويزيديين ومسيحيين.. نظرا لكون الظلم، قد مس جميع الأطياف (على مقولة : عدو عدوي صديقي).. ويكفي الظلم ظلما، إخصاء الناس ” مثلما حدث لنوح أبي البطل ـ الراوي”..
 ..عادة الثأر: قال نوح: ” سأكتب على جبهته بالوشم أو بالكي “قشمر”.. ثم قال:” أخذ البدوي ثأره بعد أربعين عاماً.”..
 .. احترام المقدسات وهيبتها ورهبتها. ومن ذلك أن قضى البطل الراوي، ليلته مرتعبا من كابوس، رأى فيه نفسه يتقلب في جحيم جهنم، عقابا له، لأنه تجرأ ونال قبلة حارة من محبوبته.. وما عاشه نتاج لوعيد جده، وترهيبه، لمن يسمح لنفسه بالخروج عن العرف. ” كنت أشعر بوجود الله، مشرفا على عقابي… وصوت جدي، يدوي غاضبا: إنه يستحق، لقد حذرتهم جميعا.” ص67..
توظيف الاسترداد “الفلاش باك”. بلسان نوح، يعود بالقارئ إلى العلاقات بين أفراد العائلة. وبلسان سليم. يسترجع الأيام الخوالي مع صديقته عالية.. وما عايش من مظاهر السلطة مع الجد وأبيه، وسائر الأفراد، وغيرها من المواقف.. وأكثرها تأثيرا حالة الندم التي انتابت الجد بسبب قطعه أصبع زوجته الأولى..
توحي شخصية البطل الراوي ” سليم” إلى شيء من سيرة ذاتية.. للكاتب ـ محسن الرملي ـ إذ إنه ـ حسب ما فهمت من تصريحه لجريدة الخبر ـ قد مارس نظم الشعر، ثم انتقل للرواية.. وهو بطله، سليم يشتغل سائقا لسيارة توزيع الصحافة، ويمارس الكتابة الشعرية والقصصية.
...أنهى الكاتب النص نهاية سعيدة على الطريقة الكلاسيكية؛ بأن أجج الصراع بين البطل وأبيه، نظرا ـ ربما ـ لتضارب النظرة نحو الأحداث، فالأب “نوح” أقسم لأبيه “مطلق” على المصحف، على أنه سيثأر لشرف العائلة من ذلك الفتى، الذي رقته السلطة إلى رتبة سفير، بأن يدخل له الرصاصة، في مؤخرته.. والابن يرى ذلك من العادات القديمة، التي يعاقب عليها القانون المعاصر.. ويجب التغاضي عنها وهجرها.. ثم وجه الأحداث مع الفصول الأخيرة، إلى النهاية التي يريدها لها: بأن سلم الأب مفاتيح المرقص لابنه سليم، وعزم على الرحيل إلى ألمانيا بعدما خطب له صديقته فاطمة المغربية.
(ويتساءل القارئ هنا هل هذا استشراف من الكاتب، بأن يسلم الكبار مقاليد الحكم، لأنهم ولدوا لزمان غير زمانهم..).. ومن جانب آخر وجوب تغيير الأفكار القديمة، بالتي تتواءم مع العصر.. وقد عزم البطل الراوي مع صديقته المغربية، تحويل المرقص مطعما عربيا مختصا في تقديم طبق الكسكسي المغربي.. (وهو نوع من المصالحة مع الذات، والعودة إلى الأصول..).
ــ نرجو أن يكون استشراف الكاتب مُجاباً، بأن تتصالح جميع الأطياف المتصارعة في العراق، وتعود إلى حضن عراق الحضارة والتاريخ…
-----------------------------------
*نشرت في (أبوليوس) في يوليو/تموز 2013 الجزائر.

الاثنين، 5 أغسطس 2013

محسن الرملي في الجزائر 2013

محسن الرملي في الجزائر 2013


شارك الكاتب العراقي محسن الرملي في (المهرجان الدولي للأدب وكِتاب الشباب) في طبعته السادسة والذي كانت ساحة (رياض الفتح) في العاصمة مسرحاً لفعالياته على مدار تسعة أيام، من 13 إلى 22 يونيو/جوان 2013م
وهذه هي المرة الثانية التي يزور فيها الرملي الجزائر بعد مشاركته في (المهرجان الوطني للمسرح المحترف) عام 2007م.
وقدم رفقة الشاعر الجزائري خالد بن صالح محاضرة حول ”صراعات في الأدب” تندرج ضمن ندوات المهرجان، كما وقع نسخاً من روايته (تمر الأصابع) في جناح دار (الاختلاف) الجزائرية الشريكة بنشرها، والتقى العديد من الأصدقاء والقراء، وأجريت معه عدة لقاءات في الصحافة المكتوبة بالعربية والفرنسية وفي الإذاعة والتلفزيون.
 
الثورة الجزائرية لم تُشبع أدبا ويُفترض كتابة أكثر من مليون رواية
ووفق ما جاء في العديد من الصحف، ومنها صحيفة (الفجر)
 أن "الأديب العراقي محسن الرملي قد قال بأنّه يفترض على الجزائريين كتابة تاريخ الثورة الجزائرية بقدر عدد الشهداء الذين سقطوا في ميدان الشرف، بالنظر إلى التقصير الحاصل في الكتابة الأدبية على مستوى تاريخ الجزائر بصفة خاصة والعالم العربي بشكل عام وأنّ الثورة الجزائرية لم تُشبع أدباً على حدّ تعبيره. كما هو الحال بالنسبة للعراق الذي راح ضحية لاستهلاك أخبار الصحافة اليومية.
أعاب الدكتور والروائي العراقي محسن الرملي، دور الكتاب الجزائريين في عدم إنصاف تاريخ بلدهم من خلال الكتابة الروائية والأدبية أو حتى الشعرية التي كانت بنسبة أقل، لاسيما بعد المراحل الصعبة التي عايشتها لسنوات طويلة من خلال تعرضها للاحتلال والاستعمار.
مبرزا، أثناء مناقشته رفقة الشاعر الجزائري خالد بن صالح في محاضرة حول ”صراعات في الأدب”، التقصير الحاصل في هذا الجانب باعتبار أنّ الأدب الحقيقي على حد تعبيره هو الذي يوصل إلى الناس ما يحدث من أحداث ووقائع.
وقال صاحب ”حدائق الرئيس” في الصدد متحدثا عن الجزائر والعراق بالنظر إلى كونهما تعرضا للاستعمار من طرف قوى خارجية ”نحن مقصرين في التعبير عن ضحايانا وما حدث ويحدث في العراق يجعلنا لا نلتقط أنفاسنا ونقف وقفة تأمل للكتابة عنه بكل راحة”، مضيفا ”وربما نكون معذورين لأنّ الاستهلاك اليومي للأحدث عن طريق ما تنشره الصحافة لا يعطينا لحظة تأمل كافية".
وفي السياق أشار الرملي في هذا الموضوع عن الثورة الجزائرية بأنّها لم تشبع أدبا بحيث يفترض أن تُكتب أكثر من مليون رواية، أي بقدر عدد الشهداء، سواء في قصة عائلية، رواية حب وغيرها حتى توفى حقها من كل الجوانب".
*ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ*

الصراعات السياسية تؤثر على الأعمال الأدبية للكاتب
ووفق ما نشرته وكالة الأنباء الجزائرية ونقلته عنها العديد من الصحف مثل: (المقام) و(عربية نيوز) و(جزايرس) و(الزمان) و(الحرية) و(الاتحاد) و(الجديد اليومي).. وغيرها:
في ندوة حول علاقة الأدب بالسياسية، كتّاب وأدباء:
اعتبر الشاعر الجزائري خالد بن صالح والكاتب العراقي محسن الرملي المشاركان في المهرجان الدولي للأدب وكتاب الشباب أن الصراع بشتى أنواعه يؤثر على الأعمال الأدبية للكاتب سواء من ناحية الشكل أو المضمون.
وأثار الشاعر الجزائري والكاتب العراقي بالعاصمة، في محاضرة بعنوان “الصراع في الأدب” تأثيرات النزاعات السياسية والعنف على أعمالهما الأدبية التي احتوت تجارب شخصية وأحداث مؤلمة خاضاها خلال فترات تاريخية شهدها بلداهما.
من جانبه يرى الكاتب العراقي محسن الرملي، أن حالة النزاعات السياسية والصراعات المسلحة منذ الحرب الإيرانية العراقية والغزو الأمريكي للعراق أثرت على إنتاجه الأدبي وانعكس ذلك في رواية “حدائق الرئيس” 2012 التي وصف فيها ما حدث في العراق خلال الـ50 سنة الأخيرة.
وأبدى الكاتب تأسفه من كونه لا يستطيع التجرد من الكتابة عن حالة الصراع الدائر في بلده قائلاً أنه يحلم في أن يكتب رواية خيالية أو بوليسية بعيدا عن الأزمات السياسية.
وأشار الكاتب الذي يستقر حاليا في إسبانيا إلى أن "الأديب الحقيقي هو الذي يقف إلى جانب الخاسر وليس المنتصر وإلى جانب الضحية وليس الجلاد” معتبراً أن الأدب الذي يقف إلى جانب المنتصر يصبح “أدبا تعبويا"
وبحسب رأي الكاتب فإن الأدب هو الذي يستطيع أن يوصل ما يجري من أحداث إلى الأفراد والجماعات أكثر من كتب التاريخ والصحافة التي تورد أرقاما فقط.
وكان من المنتظر أن يشارك في هذا اللقاء الثقافي الأديب السوري، خالد خليفة، والتركية أسلي أردوغان، التي كان من المقرر أن تشارك في لقاء آخر، إلا أن الأوضاع الأمنية التي يشهدها بلداهما حالت دون حضورهما في المهرجان” حسب المنظمين.
*ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ*

*روابط لها علاقة بالموضوع:
*صحيفة (الخبر) الجزائرية، 25/6/2013م.
*صحيفة (الفجر)
*موقع المهرجان
*صحيفة (الجزائر نيوز)
*صحيفة (الوطن) بالفرنسية
*صحيفة (المقام)

 

السبت، 3 أغسطس 2013

محسن الرملي: كنت أقرأ وأكتب داخل الدبابة تحت القصف /الجزائر نيوز

في ندوة (الأثر) لصحيفة (الجزائر نيوز)
المهرجانات الثقافية وإشكاليات النشر والكتاب
محسن الرملي: كنت أقرأ وأكتب داخل الدبابة تحت القصف

 
أدار وحرر الندوة الصحفيان: بدر مناني وسارة عياشي
على هامش (المهرجان الدولي للأدب وكِتاب الشباب) في طبعته السادسة والذي كانت ساحة (رياض الفتح) مسرحاً لفعالياته على مدار تسعة أيام، من 13 إلى 22 جوان الجاري، نشطت “الجزائر نيوز” ندوة صحفية استضافت خلالها الروائي العراقي الدكتور محسن الرملي والشاعر الجزائري خالد بن صالح والكاتب والناشر لزهاري لبتر بالإضافة إلى زينب مرزوق المكلفة بالاتصال في محافظة المهرجان، أين تم التطرق لفعاليات المهرجان وإشكاليات الكتاب والنشر في الجزائر.
*على هذا الرابط ما تم نشره من حوارات الندوة:
وهنا نقتطف بعض من مداخلات الكاتب العراقي محسن الرملي:
محسن الرملي: كنت أقرأ وأكتب داخل الدبابة تحت القصف
*الجزائر نيوز: نبدأ من المهرجان، كيف ينظر الكاتب إلى مثل هذه التظاهرات الثقافية؟
ـ الكاتب العراقي محسن الرملي: رأيي أنه يجب الإكثار من هذه النشاطات وتحسينها، كما يجب توزيعها على باقي مناطق البلد، فهي تقرب الثقافة من المتلقي وتقرب المتلقي من الانتاج الثقافي، عدا ذلك فهذه النشاطات لا تكتفي بالجالية المثقفة الجزائرية إنما تتيح المجال أيضا للجالية العربية والعالمية، وبالتالي تتيح للمتلقي فرصة التعرف على عدة وجوه وأصوات من مناطق العالم وتفتح مجال الاطلاع على ثقافات مختلفة حوله، بهدف التعارف، التلاقح واحترام جماليات التنوع.
*الجزائر نيوز: رغم أن هذا المهرجان معنون بأدب الشباب إلا أننا نسجل ظهورا محتشما لهذه الفئة، حيث لا توجد سوى ثلاثة أسماء تقريبا، ما قولكم في هذا الموضوع؟
ـ الكاتب العراقي محسن الرملي: أنا أعتقد بأني مطلع إلى حد ما على المشهد الثقافي الجزائري، والجزائر أمة ولاّدة وفي زيارتي الثانية اكتشفت مزيدا من الأسماء حتى التي لم تحضر هذه الفعاليات اكتشفتها من خلال كتاباتها، ثم ليس شرطاً عندما تعنون تظاهرة بأدب الشباب أن يكون حضور المبدعين الشباب فيها طاغيا، فحضور البعض وإتاحة الفرصة لهم ليتحاوروا مع أسماء لها تجربتها مثل حسن داود بشكل مباشر، خصوصا أن اللقاءات تدار بشكل حوار وليس محاضرة كلاسيكية، يسهم في تطوير قدراتهم وتفتيح آفاقهم .
*الجزائر نيوز: طبع في إطار المهرجان كتاب لتكريم مجموعة من الكاتبات الجزائريات، فيه مقتبسات من بعض أعمالهن دون أخذ موافقة بعضهن حتى أن إحداهن قالت إنها لم تعلم مطلقا أنها مكرمة في هذه التظاهرة، هل يصح هذا الأمر؟
ـ الكاتب العراقي محسن الرملي: في حالة التكريم من مصلحة الناشر ومن مصلحة المؤلف أن تنشر مقتطفات من أعماله في كتاب مماثل، الأمر أشبه بإشهار مجاني، وهذا ليس نشرا للكتاب وبيعه بل هو نشر لصورة الكاتب واسم ناشره وبالتالي هذا سيدفع القراء إلى البحث عن الكتاب الكامل لاقتنائه، هذا مباح في التكريم فالكل هنا يحتفل، وفي لحظة التكريم من يهتم بالحقوق؟
*الجزائر نيوز(لمحسن الرملي) هل هناك جدوى من الكتابة في ظل الخراب والانهيار؟
ـ الكاتب العراقي محسن الرملي: الإبداع والكتابة هو العزاء والبلسم الوحيد أمام الخراب في القطاعات الأخرى، فمثلا في مصر، الأمل في التغيير يقوده المثقفون ويجب أن يعودوا في كل الوطن العربي لممارسة دورهم التنويري، وفي العراق كان بلسم حياتنا هو الشعر والأدب، وأول ما حدث بعد احتلال العراق استمر الحراك الثقافي وأقام مجموعة من الشباب بعد شهر مهرجانا للمسرح لبث الروح في الناس حتى لا ييأسوا ويصابوا بالإحباط.
أنا أقول هذا عن تجربة.. كنت في الجيش العراقي أقود الدبابة، وكنت تحت القصف أقرأ وأكتب داخلها، كنت أوثق اللحظة التي أعيشها كانت الكتابة هي بلسمي في اللحظات الصعبة.
---------------------------------------------------------
*نشرت في صحيفة (الجزائر نيوز) الجزائرية، بتاريخ 25/6/2013م.