الخميس، 24 مارس 2016

عن: ذئبة الحب والكتب / نورس كوجر

محسن الرملي من المشاركين في هذا الإثبات..
الرواية تُثبت جدارتها من جديد
نورس كوجر
منذ مدة طويلة جدا، استطعت الحصول على نسختي من الطبعة الأولى لرواية محسن الرملي الرابعة، لكن الوقت لم يسعفني ولم يتسنى لي قراءتها مبكرا.. وها أنا أنهيها اليوم بعد تفرغي لها وتخصيص جل تفكيري بها، أنهيتها وما زلت أترنح بين سلسلة التساؤلات ودوامة الإجابات التي تركتّني بها هذه الرواية!
*ذئبة الحب.. طراز مستحدث في الكتابة وجديد جدا على محسن الرملي الذي لم يعودنا البتة على نهايات كهذه!! وبالتاكيد هذه النهاية مختلفة بالكامل عن نهايات أعماله الأخرى كالفتيت وتمر الأصابع، تجده هذه المرة أجاد وأبدع في طبخ الأحداث وتقديمها للقارئ حتى يحل ألغازها، أي أنها ذات النهايات المفتوحة يترك لتاؤيلات القارئ ونظرته للعمل الأدبي!! لكنه صعب جداً أيها الرملي..
لأنك أقرنت عملك هذا بعوامل نفسية كثيرة، تجعلنا كقراء أن نعيد الفكرة والتسلسل آلاف المرات ولا نصل إلى حل؟ وكما يقول محـســــن الرملي (إنها أفضــــل نهـــاية الهمني بها الرب)..
تخيل أنك تجلس أو تمارس عملاً ما، وفجأة تلمع في ذهنك فكرة أو مفتاح يصل بك إلى حل اللغز!! على الرغم من أنك أنهيتها.. إلا أنها ما زالت عالقة بين طيات عقلك تنتظر منك إجابة تامة لتساؤلاتها ونهاية مقنعة تليق بمحسن كعادته..
الرواية غزيرة بالأحداث والمعلومات المفيدة والتي قد تجرّك لتتعرف على الأكثر، كما وأن محسن كان جلّ اهتمامه في هذا الكتاب هو المرأة، حيث سلط الضوء على الكثير من الأمور والقضايا التي تخصها أو التي تعتبر محط اختلاف في مجتمعاتنا، وما تعانيه من أزمات وانتكاسات.. ولربما تساؤلات؟!
*الرملي أجاد وأبدع هنا في تقمص دور المرأة والولوج في عالمها المليئ أو المحاك بالظلمات الكثيرة.. علّه يجد السبيل لفهمها وإيصاله لمجتمعاتنا العربية..
ابتكر الكاتب شخصية البطلة “هيام”؛ المرأة الحالمة المحبة للحياة والكتب المتقدة بالمعرفة وشغف التطلع، لكنها غير مكتفية من زوجها الوسيم ذو المكانة الرفيعة وها هي تبحث عن الحب في حقل رجل آخر!
تبدأ الرحلة بإدخال “محسن الراوي ” بطل الرواية، الرقم السري الخاص بايميل “حسن مطلك”، والذي هو من صنع محسن الراوي تعلقاً بأخيه وليبقيه حياً ولو بين نفسه، بالخطا! ليجد صندوق البريد مليء برسائل مرسلة ومستلمة من امرأة، يبدا بقراتها غير مصدق وغير واعي لما حدث! يتعلق الراوي بملاحقة الأمر ومعرفة التفاصيل بشغف.. عسى وأن يصل إلى شيفرة هذة الرسائل أو حتى صاحبتها!
تستمر هيام في الكتابة لمحسن والحديث عن تفاصيل حياتها وعلاقاتها بالرجال وحتى عن تجربتها الجنسية مع ” بشعة” بنت الجنوب، تدور الأحداث بين العراق والأردن في فترات السقوط وما بعدها ومن ثم تنتقل إلى صنعاء اليمن، سوريا وصولاً إلى إسبانيا مدريد.
في هذا الوقت من الحديث عن تفاصيل حياة هيام، يكون محسن الراوي يجابه مشقة حياته ويكون منشغلاً هو الآخر بتصفية متعلقاته وشؤونه الاجتماعية، فضلا عن تعلقه بالرسائل وطباعتها ليقرأها آلاف المرات لوحده من دون إزعاج أحد وليقرر بعدها البحث عن هذه المرأة واللقاء بها!
تتشابك الأحداث وتتسع وتتعدد الشخوص وتتفرق الأحداث بين العراق وعمان لتصل بذروتها إلى إسبانيا... الأسلوب هو أسلوب محسن غني عن التعريف ” السهل الممتنع”، عنصر التشويق كان حاضراً منذ الإهداء وحتى نهاية الصفحات,.. معظم شخوص الرواية حقيقة، وهذا ما نوه عنه الكاتب بداية، حتى كدت أتصور بأن هيام موجودة فعلاً في الواقع وأنه اقتبس حكايتها..
عندما تشارف في قراءتك الصفحات الـــ 300 على الانتهاء، تتوقع أن تتجمع أشلاء الأحداث لتنبؤ بالنهاية المنتظرة، ألا وهي لقاء الأحبة وحل كل الألغاز، إلا أنها تتعقد أكثر فأكثر بعد هذه الصفحات لتجعل قلبك يخفق خوفاً وشوقاً لما ستؤل إليه هذه النهاية..
ابتغى محسن من هذا الكتاب أن يتكلم عن الكثير من الأمور، أن يضع لنفسه مساحة يتكلم ويتكلم ليصوب أنظار الطبقة المثقفة “النخب” إليه والتي بدورها ستنقل التجربة إلى المجتمع بالكامل، كما أنه أراد أن يقنعنا بتزاوج خيال الأدب بواقع الحياة.. وذلك بالتعرض المباشر أو الانتقائي، وعلى سبيل التوضيح، وأنت تقرأ ذئبة الحب والكتب.. ستتوقعها ذكريات أو سيرة أحدهم، أي أنها واقع موجود حقاً، لكن سرعان ما يخفى هذا التصور عند وصولك النهاية الصادمة لتكتشف بأنه عمل أدبي عبقري جداً، محبوك بآليات سردية محددة جعلت منه عملاً جدلياً بين القراء، كما حدث مع أحمد السعداوي في “فرنكشتاين” و” شيكاغو” لعلاء الأسواني.. ولربما أشد ضراوة عنها...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في صحيفة (الزمان) السنة الثامنة عشرة، العدد 5375 بتاريخ 24/3/2016م.

ليست هناك تعليقات: