الأحد، 13 نوفمبر 2016

عن: حدائق الرئيس لمحسن الرملي / موسى الحوري

قراءة في حدائق الرئيس..

موسى الحوري
أول ما أثارني عنوان الرواية وعتبة أهدائها (إلى أرواح أقاربي التسعة)، فالاهداء وجّه القارئ إلى مفاتيح اغرائية لقراءة النص الروائي وسبر غوره ومعرفة خفاياه ومضامينه ورؤاه وميوله واتجاهاته وانفعالاته وسوداويته وبناءه الحكواتي المتتابع...
في قراءة أولى يأخذ القارئ غير العادي انطباعا بأن شخصيات الرواية هي شخصيات تأريخية انتقاها الروائي بدقة فشخصية ابراهيم واسماعيل وعبدالله كافكا وطارق أولاد(شق الأرض)هي شخصيات لها دلالتها وعمقها الرمزي والتأريخي والمعجمي والمدلولي والسيميائي لمسمياتها.. فالمكان الذي دارت به أحداث الرواية هو مكان سيري للكاتب انطلق من القرية ومن ثم الى جبهات القتال في العراق لينتهي المطاف لحركة بعض الشخصيات الى حدائق الرئيس في بغداد.. المكان بكل تفاصيله وبيئته وامكنته السيرية استفاد الكاتب منه ليشعل جذوة الذاكرة التي شكلتها قرية اسديرة/ قرية الرملي ولينطلق منها والحديث عن تراثها وشخصياتها وتأريخها...
حاول الراوي أن يفاجأ القارئ بالاحداث العجائبية والغرائبية بأحداث وحكوات ذات بناء متسلسل ومتوالي حلقي تربط كل حكاية باخرى خيط سردي يشد عضد النص ويماوج القارئ ويربكه بأحداث مفاجأت تفتح النص بجميع دلالاته الفكرية والتأريخية والنفسية والذاكراتية وتشتغل بأقصى طاقتها عبر ذاكرة الكاتب الذي يصارع سطوة المكان الذي لازال يتلبسه ويأبى أن يتأقلم مع غيره شأنه شأن (قسمة وعبدالله الأسير وابن الشيخ الذي هاجر لبلاد مجهولة) الذين رفضوا المكان أو أن المكان لايعني لهما الاّ الواقع الذي يجب يتعايش فيه كل شخص بما يتحرك ويمارس حياته فيه... فالمكان متأرجح بين سطوته عند ابراهيم وأهل القرية وبين ماذكرنا من واقع فرض سطوته وثقافته على البعض الآخر...
 الشخصيات المحورية في الرواية ولِدت بسنة 1959 وهو زمن الحكم الجمهوري الذي يعتبر زمن الثقافة والشيوعية والانفتاح والثورات والحروب زمن الحراك العراقي غير المستقر زمن الحروب التي تتبعها الروائي مع احداث وسيرة وحكوات الشخصيات الثالوثية (أبناء شق الأرض)...
 استطاع الروائي أن يقارن بين حياتي البساطة والكفاف والعيش البسيط وبين حياة الرئيس وحدائقه وقصوره وحياة البذخ.. لذا فأن الراوي عبر عن العلاقة بينهما بقتل الموسيقي المباشر من قبل الرئيس والتعبير عن وحشية السياسة والقتل والدمار والحروب.
...
(للماء) نصيب في الرواية فنهر دجلة الذي لم يتغير هو الوحيد في رؤى عبدالله كافكا الأسير ابن الزنى على الرغم من تغير جميع الاشياء في فترة غيابه في الأسر... والماء هو الطهارة والبراءة والنقاء والصفاء والليونة وهو سر براءة الريف ونظافته وبساطته وحياته المفعمة بالهناء والخيال والعيش البسيط السهل الجميل...ولم يعفل الرملي عن ذكره وهو يحرك شخصياته به وفيه وهم يسبحون عائمون فيه تصاحبهم الكركرات والانبساط... التأريخ والأحداث التاريخية للعراق كانت متسلسلة ومترابطة ومتوالية مع احداث الرواية وكل حدث روائي استطاع الراوي أن ينقل احداثه بدقة وحرفنة عالية بمايلائم البناء الفني والسردي للرواية وينقل تفاصيل الروي باسترجاعات واستباقات تُحدث توترا سرديا يلائم وطبيعة الحبكة الروائية واشتغالها لحد التوتر، ومن ثم ينقلنا الكاتب الى بسمة ونكتة في حوار سردي ونحن بقمة السوداوية والحزن...!!!
أقول أخيرا أن حدائق الرئيس هي عمل سردي فريد ومؤسس اجتر من السيرة الذاتية للكاتب عملا ذات قيمة ودلالة وعمق واستطاع الكاتب أن يعرض تأريخه وتأريخ قريته واصدقائه بصورة سردية لازالت صورتها تنزف دما جراء الحروب والويلات التي أذاقت العراق ويلا وأعطت للساسة والحكام رخاء وانتشاء بالتلذذ بدمار محكوميهم وشعوبهم.... وللسرد بقية..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*د.موسى الحوري: كاتب وناقد عراقي
*نشرت في ملحق (أوراق) الثقافي لصحيفة (المدى)، العدد 3810 بتاريخ 25/12/2016م

ليست هناك تعليقات: