الأحد، 18 يونيو 2017

عن: تمر الأصابع / راسم الحديثي

تمر الأصابع.. ملحمة بأسلوب راقٍ
راسم الحديثي
رواية (تمر الأصابع) للروائي محسن الرملي، سبعة عشر فصلا..173 صفحة، صدرت في اللغة الاسبانية ثم ترجمت لعدة لغات وفازت بالقائمة الطويلة لجائزة البوكر العالمية للروائية العربية.
 
تحدث الروائي لعقود عن تاريخ العراق الحديث، عن الحرب والسلم والدكتاتورية، أسهب في الحداثة والأصالة. اختار شخصيات متنوعة عراقية ومغربية واسبانية وصينية.
ملحمة سطرها بأسلوب  راقٍ يمكن أن تكون فيلما حديثا، حين تدلف إليها تعتقد بانتقالات غير واقعية أو فنطازيا أو سرد رمزي، ولكن للسرد الحديث مسارات حديثة خرجت عن مألوف السرد التقليدي المرتبط بالواقعية أو بضوابط الزمان والمكان.
الروائي عراقي نقل لنا حيزا من بيئته وتأثر بايجابياتها وسلبياتها كما جاء في بوختين: أن السارد أبن مجتمعه.
 
الجد الكبير( مطلق) الحاكم الناهي في قريته المؤمن بمقولته التي أشرت مجمل أحداث الرواية:إذا نبح الكلب لا تنبح عليه، ولكن إذا عضك عضه.
 
مرضت أستبرق ابنة نوح ونقلها والدها الى مدينة تكريت لعلاجها، وهناك وهي تسير بجنب الوالد مرقت سيارة مرسيدس فمدَّ السائق الشاب يده ووضعها على عجيزة استبرق وقال: خوش طيز.
 
هذه العبارة حولت قرية الحاج مطلق من حال إلى حال، سحبه نوح من فتحة باب السيارة وبطحه أرضا وادخل في إسته طلقتين أخرجها من مسدسه، تبين أن هذا الشاب أخ زوجة سكرتير نائب رئيس الجمهورية، فقامت القيامة وفاضت التنور كما يقول المثل العراقي، أعتقل نوح وعذب حتى أخصي بالكهرباء وانتهت ذكورته، وبعد أطلاق سراحه أقسم أمام والده مطلق الجد الكبير بالقرآن على أن يأخذ الثأر لابنته استبرق.
 
بعد معارك وشهداء وعداء مع السلطة قرر مطلق هجر القرية الى قرية أخرى سميت قشامر وسوف يتغير اسمها الى قرية مطلق أو الكرامة حين تثأر القرية لاستبرق،
يهاجر سليم ابن نوح الى  اسبانيا، وبعد بضع سنوات يجد والده في أحدى حانات أسبانيا، يدير حانته بجدارة، يدخن يشرب بنهم، يرقص، يضرب فاطمة المغربية العاملة على مؤخرتها بغنج، ويقبل لارسا العاملة الثانية بلهفة وغنج، وبيده سلسلة جميلة معلقة فيها مجموعة مفاتيح ورصاصة مسدس فارغة.
 
يعود الروائي أسترجاع للأحداث( باك فلاش)، عشقه لابنة ،عمه عالية ولقاءاتهما في عش بناه بين أدغال الشاطيء، هناك يعانقها ويداعب ثدييها المكحلتين بسائل التمر، وشفتيها الممسوحتين بالسائل ذاته، ثم تغرق أمام عينيه وتموت، ويذكرنا بصراط الذي استشهد بعد تلوع أخته استبرق به، استشهد في معركة محافظة تكريت دفاعا عن حبيبته.
 
يدوخ سليم بسبب وجود والده في اسبانيا وبطبيعة عمله المنافي لقيمه وقيم الجد مطلق مثله الاعلى، فيبدأ بالبحث عن الاسباب، فيقيم علاقة مع فاطمة المغربية ولاروسا عشيقة والده ليكتشف لاحقا بعد ملاحم عاطفية مع فاطمة وصداقة بريئة مع لاروسا أن والده يحب لاروسا حبا جنونيا، أقنع لاروسا بضرورة لقاءه بشكل مفاجئ مع والده وفي شقة الوالد، دلف الشقة فوجد والده يصلي على سجادة عراقية وبجنبه القرآن، تحصل مواجهة عنيفة بين الابن والوالد وصراحة عالية عن أسباب وجود نوح في اسبانيا، وعن مجمل المتناقضات التي يمارسها بين الصلاة والسكر والعلاقة مع لاروسا.
 
اعترف الوالد بالمخفي، تأكد له أن من قال لاستبرق..خوش طيز..هو قنصل في السفارة العراقية هنا، وانه جاء ليضع الرصاصة المعلقة في سلسلته في إسته، رفض الابن هذا المنطق وقال له هو في اسبانيا وليس في العراق، ووصية الجد مطلق لا وجود لها هنا، هي تصلح في العراق. فيتحدث سليم قائلاً: لم يكشف الحوار السياسي وجها آخر لأبي فحسب وإنما وجها لطبيعة حرارة الحال هناك في العراق ونفاد الاصطبار على أمل الخلاص، الحديث حتى هذه النقطة كشف لي عن تمسك أبي بشخصيته الاخرى (الثأر والعودة إلى الالتزام الديني)، وهنا سعيت الى استحضار الجانب الآخر منه كي أرى حضورهما معا، أو لأرى على الأقل من تحسس مدى قوة أحدهما قياسا بالآخر.. فهو بين نارين، ارثه الاخلاقي والديني وقسمه على القرآن، والنار الاخرى قناعته في انه رافض للعنف والثأر والتعصب. 
 
بيد أن المعركة بين الولد والوالد بعد استكناه أسرار المستور بالجملة انتهت بحلول منطقية ومقبولة ساعد في هذا مساعدة فاطمة ولارسا، تزوج سليم لاروسا.
 
بقي على سليم معرفة سر العلاقة بين لاروسا ووالده المخصي بالكهرباء في مدينة تكريت، اقترب من لاروسا حاول مصارحتها ففهمت المقصود بعد جهد جهيد، ضحكت كثيرا وقالت: فهمتك، أنا رومانسية وقدرة أصابع الوالد على العزف بجسدها كله بتقنية عالية وخبرة قديمة، عازف ماهر فلذلك هي لا تحتاج للأجزاء الفائضة من جسد الرجل.
هكذا غادر نوح فكرة الثأر وتمسك ب لاروسا وسافرا إلى المانيا..
انتهت هذه الملحمة الكبيرة بسبب محارشة الشاب لاستبرق وقال لها..خوش طيز.
أتمنى قد أوفيت بما تحويه، علما أني لست بناقدٍ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*راسم عبدالقادر الحديثي: كاتب عراقي، من أعماله: أولاد حمدان، خريف الشرق، أصناموفوبيا، و مسارات الحداثة في الفكر الوطني والقومي.
                                  راسم الحديثي

ليست هناك تعليقات: