الخميس، 5 أكتوبر 2017

عن: ذئبة الحب والكتب / عبدالله مكسور

ذئبة الحب والكتب.. صورة البحث عن الحياة بتناقضاتها
عبدالله مكسور
عديدة هي النصوص الروائية التي تناولت مفهوم الهجرة، في وصف لما يلاقيه المغترب من صعوبات في مواجهة عالم جديد. هذا العالم بكل ما فيه من تناقضات ونزاعات وأمل ومآس تعكسه رواية “ذئبة الحب والكتب”، الصادرةُ، مؤخرا، عن “دار المدى”، في بيروت وبغداد وأربيل، للكاتب العراقي محسن الرملي الذي يصور لنا الهروب إلى الخارج حيث الراوي الذي يسرد لنا حكايات عن الحرب والموت والصداقة المقتولة والحب.
عبر ما يقارب الأربعمئة وخمسين صفحة يطوف الكاتب العراقي محسن الرملي برحلة الحياة من الوطن وإليه، خلال روايته المرشّحة في القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها الحالية “ذئبة الحب والكتب” بسرد غريب يمسك الراوي بهِ من أطراف عدّة رغم تعدّد الأمكنة والأزمنة، إلا أنَّه يحافظ على التشويق وعلى ملامح الشخصيات ليضع القارئ أمام مفارقات عديدة يتم اكتشافها تباعا خلال النص.
“الأشياء الصغيرة تجلب الغبطة الصافية، الذاكرة تنتقي، تقدم وتؤخر كما تشاء”، بهذا المفتاح يمكن قراءة رواية الكاتب العراقي المقيم في أسبانيا محسن الرملي، “ذئبة الحب والكتب” ليست رواية فقط، إنها حكايات في قلب حكاية أرادها الرملي مختلفة عن كل ما قدمه في إنتاجاتهِ الأدبية فبدأها بإقرار لا يقبل اللبس بأنَّه هو محسن الرملي الكاتب العراقي الذي قدّم للوسط الثقافي كل أعماله السابقة إلا هذه التي بين يدي المتلقي الصادرة عن دار المدى في بيروت وبغداد وأربيل، هذا النص الذي أراده الرملي كشف حساب مع الماضي دون مواربة، الماضي بكل ما فيه من مشاكل وأحلام وعقبات.
العمل من منظور نفسي
بدأ تشكل المستقبل عند الرملي في مرحلة مبكرة من حياته، وهنا بالطبع لا بد من إخضاع النص للمدرسة النفسية التي تقوم على قراءة الأدب من منطلق نفسي، حيث نرى طيف الشاعر العراقي حسن مطلك الذي تدور حوله الحكاية، ساكنا في ثنايا النص وإن حاول محسن مرارا الاختفاء بعباءته عبر الاختباء بصورة أنثى عاشقة للشاعر العراقي الذي اتهمته سلطات البلاد في ذلك الوقت بالتخطيط لقلب نظام الحكم الذي يقوده القائد الضرورة.
يقدم الرملي بعد مرور سنوات بيان نعيٍ أدبي مكثّف اعتمد من خلاله ترميم المشاعر وتوظيف التكثيف في بنية السرد بين ثلاثة أعمدة وثلاث مدن، الأعمدة الثلاثة تمثلَت بالشاعر الراحل الذي هو شقيق محسن الأكبر والكاتب ذاته الرملي وامرأة تظهر وتختفي تحت اسم هيام.
وتمتد الحكاية عبر هذه الأركان بتفاصيل يضمنها الرملي ذاكرته الشخصية المتنوعة، ذاكرته التي عاشها في ثلاث مدن ظهرت في النص على هيئة العراق بوصفه مدينة كبيرة ممتدة من الموصل وحتى البصرة، والأردن بوصفها مرتكزا للمنفى الأول الذي وصله الرملي بمئتي دولار فقط فخلق ذلك ثنائيةَ عمان وإربد، بينما تظهر مدريد بوصفها الحلم الكبير البعيد الذي يقع على الضفة الأخرى من المتوسط.
رغم المواربة التي وضعت على غلاف الرواية بأنها عن عراقيين يعيشون الحب رغم كل الظروف، إلا أنّ المقطع العرضي للنص يدفعني إلى القول إن الزمان والمكان هما زمان ومكان محسن الروائي بصفته الكاتب والإنسان معا، تاريخه الشخصي الذي اعترف لي محسن مرة بحوارٍ سابق إنه يمرره عبر شخوص أعماله، يجعلها تتغذى عليه فتحمل ملامحه وذهنيته وأوجاعه وأفكاره ومشاعره، لذلك يمكن تصديق الحبكة الخيالية التي قدمها في مطلع الرواية عن بريد إلكتروني يطابق إيميل المدونة التي أنشأها الراوي لشقيقه الراحل بعد حكم الإعدام وحرصه الشديد على أن يضع فيها كل قصاصة وكل جملة وكل عبارة تركها حسن مطلك، تلك القصة التي أراد منها محسن أن يغوص أكثر في عوالم النفس البشرية من خلال المسح النفسي لرجل فقد كل شيء خلال الحرب، فقد تاريخه وحاضره ومستقبله، ولكنه ظل مؤمنا بالحب كمظلة تجمع كل النقائض.

دائرة السرد
يسير النص في دائرة مغلقة، بدأها الرملي بذاته العراقية وأنهاها في نقطة معلقة بين حدودين في مواجهة العراق الوطن الذي عاد إليه باحثا عن الحب الذي اخترعه وصدقه، دائرة يسير قطرها دون نقطة ارتكاز سوى الحب الأزلي الذي يمشي على ساقين عند الرملي ضمن إحساسين الأول هو الأخوة الصرفة تجاه حسن مطلك والثاني هو حب الأنثى الغائبة التي تطابق حبّ ما قبل النظرة الأولى لمرأةٍ تسكن الروح.
القطر الذي يسير ضمن نقطتين في دائرة السرد نراه يعبر المدن ويصورها من خلال الأحداث المختلفة التي ضربتها، تكثيف الحدث التاريخي يظهر بشكل جلي في مدن العراق ليمر على الحرب الإيرانية العراقية وحرب الكويت والاحتلال الأميركي لبلاد الرافدين عام 2003، الحدث الأخير يفرض نفسه عبر مسارات يحاكم من خلالها الرملي الموقف الإنساني داخليا وخارجيا من الاحتلال، أثر الحرب على الذين وقفوا على الحياد فيها، بين ضفتين رمت كل منهما الواقفين فيها بعبث دون انتظار اكتمال الحدث، هنا يظهر قطب القصة للمرأة المتخيلة هربا من الاحتلال والموت نحو اليمن ومنها إلى الخرطوم وصولا إلى ليبيا عبر شاحنة خطت عجلاتها في الصحراءِ آثارا عكسها الرملي في نفسية منكسرة تبحث عن الحب وصولا إلى مدريد، ذلك الوصول الذي دفع بالرملي الكاتب إلى اتخاذ قراره بالاتجاه نحو أسبانيا بعد أن قدم مقطعا عرضيا آخر للحياة الثقافية والاقتصادية في ثنائية “عمَّان/ إربد” في الأردن.
خلال تلك المرحلة أرسى الرملي خيوطا كثيرة وآراء عديدة في الرواية والمسرح والشعر والجمال ضمنها خلال الحديث عن علاقاته الاجتماعية في عمان، وهو هنا استخدم أسماء صريحة لأشخاص وشعراء وصحفيين، فضلا عن تعيينه لأسماء مطاعم ومقاه وجامعات ومسارح وأحياء لإضفاء الشرعية على النص.
تحضر الأسطورة في الرواية من خلال صورة جلجامش وأنكيدو والجد الذئب وهذا يقودنا نحو قراءة أخرى للنص تقوم على التأويل ضمن ثلاثية أخرى تقوم على الإنسان والسماء والأرض، مررها الرملي في متتالية تتناسل منها الحكايات ليصوغَ اللوحةَ الكاملةَ للحياة في ظل الدكتاتور وخارجها، ليضع مسارات جديدة يتحدّث فيها عن الممنوع والمسموح والممكن في ظل السلطات المتعددة المتمثلة بالضمير والدين والأخلاق والقبيلة والزوج والأب معتمدا في هذا البوحِ على صوتين رئيسين هما المرأة والرجل المختبئ خلف رجل آخر وصلت إليه المراسلات صدفة فدفعته الأحداث ليكون البطل كما يعترف الرملي أن ذلك حدث في حياته الشخصية حين قضى حسن مطلك إعداما فحمل هو بأناه الواحدة صورة الرجل الراحل ليصل صوته إلى كل مكان.
----------------------------------------------
*نُشرت في صحيفة (العرب)، بتاريخ 2015/11/02، العدد: 10085 لندن.


عبدالله مكسور

ليست هناك تعليقات: