الأحد، 1 مارس 2009

حوار / أجرته: ملك مصطفى



ملك مصطفى
الكاتب محسن الرملي الفائز بجائزة أركنسا الأمريكية يتحدث إلى "الزمان":

سأشتري بثمن الجائزة بدلة أرتديها لأغادر قريتي وأحقق حلم طفولتي

حاورته: ملك مصطفى

ـ مدريد ـ

حازت رواية (الفتيت المبعثَر) للكاتب العراقي المقيم في إسبانيا محسن الرملي على جائزة جامعة أركنسا الأمريكية، باعتبارها أفضل عمل أدبي عربي مترجم إلى الإنكليزية لهذا العام 2002، حيث قامت بترجمتها السيدة ياسمين حنوش.وقد تألفت لجنة التحكيم من أساتذة أدب ونقاد معروفين من عدة جامعات، كالدكتورة ماريلين بوث من جامعة براون، مريم كوك من جامعة دوك، وفاروق مصطفى من جامعة شيكاغو. وتعتبر هذه الجائزة إحدى أهم الجوائز التي تمنح للأعمال العربية المترجمة، تبلغ قيمتها المادية 10 عشرآلاف دولار إضافة إلى نسبة حقوق المؤلف في المبيعات، وقد سبق أن فاز بها كبار الأدباء العرب، كالراحل جبرا إبراهيم جبرا، محمد عفيفي مطر، غادة السمان، الياس خوري وغيرهم.أما هذا العام فقد منحت للكاتب العراقي محسن الرملي الذي يعتبر أصغر الحاصلين علها سناً (35سنة). هذا وستقوم دار النشر التابعة لجامعة أركنسا بطباعة وتوزيع الترجمة الإنكليزية لرواية (الفتيت المبعثر) في العام القادم، علماً بأن الطبعة الأولى العربية لهذه الرواية قد صدرت سنة 2000 عن مركز الحضارة العربية في القاهرة.
وبهذه المناسبة كان لـ (الزمان) هذا اللقاء مع الكاتب في مدريد.

*نبدأ بالجائزة.. ماذا تعني لك؟.
ـ إنها تعني لي بقدر ما ستعنيه للثقافة العراقية، فالذي أتمناه هو أن تلفت الانتباه، ولو بشكل ما، إلى هذه الثروة الكبيرة من الإبداع الذي ينتجه العراقيون في شتى البقاع على الرغم مما يعانوه من أوجاعهم الخاصة وأوجاع الوطن.. فكم منهم من اقتطع من وقته وجهده ولقمة عيشه ليشتري كتاباً أو ليطبع كتاباً.. فهناك أعمال إبداعية عراقية مهمة لم تنل ما تستحقه بسبب سوء التوزيع، أو سوء الظرف العراقي.. أو سوء الحظ، وهي تستحق التكريم فعلاً أكثر من روايتي.. ولذا فأنا أهدي هذه الجائزة إلى كل أخوتي المثقفين العراقيين.
*وما هو شعورك الآن.. بعد انتقال عملك الإبداعي من محيطه العربي إلى العالمية؛ حيث ستكون بمواجهة قراء من ثقافات أخرى مختلفة؟.
ـ أشعر بمسؤولية أكبر تجاه طبيعة تقديمي لثقافتي العربية التي أنتمي إليها، فإذا كان القارئ العربي قد تكفيه جملة واحدة عن إحدى قضايانا ليدرك القصد والأبعاد، فإن قارئ الثقافة الأخرى قد يحتاج إلى أكثر من هذه الجملة، أو على الأقل كيفية صياغتها لكي يدرك القضية المعنية. ولكنني، في الوقت نفسه، سأحرص على ألا يؤثر هذا الشعور بالمسؤولية على حريتي في فن الكتابة، ذلك أن تجربتي مع طبيعة تلقي أصدقائي من المثقفين الأسبان كانت مدهشة لقصص لي محتشدة بالمسميات والدلالات العراقية المحلية التي كنت أظن بأن القارئ العراقي وحده هو من سيجيد قراءتها، مثل قصة: (لبن أربيل)، (عرس الواوي)، (رحال ومهرتي جرحي).. وغيرها.. إلى الحد الذي طالبتني فيه فرقة مسرحية إسبانية ـ مكسيكية أن أكتب لها عملاً بهذه اللغة وعن هذه المناخات.
*وإلى ماذا تعزو اكتساب روايتك (الفتيت المبعثر) لعالميتها؟.
ـ لا أدري بالضبط.. ولكن ربما لأنني قد وفقت، إلى حد ما، في تجسيد مقولات قد صارت من بديهيات الإبداع المعروفة كالصدق في الطرح وتجسيد المحلية، لأن المحلية، كما يقال، هي الطريق إلى العالمية. وأنا قد كتبت عما أعرفه وما عشته حقاً، وبالتأكيد قد تم ذلك عبر أسلوبي ولغتي الخاصة في الكتابة.

لغة نحتيّة
*إن أسلوبك السردي في هذه الرواية ينحو إلى تجريب عال في كثير من مواضعه، وهناك لغة مكثفة ونحتية أحياناً، يمتزج فيها الشعري والشعبي في بعض المقاطع.. فهل تعتقد بأن الترجمة قد تمكنت من نقل ذلك؟.. وكيف كان لقاءك بالمترجمة؟.
ـ المترجم هو شريكي في كتابة الكتاب باللغة الأخرى، كما يقول محمود درويش، ومن حسن الحظ أن مترجمة روايتي ياسمين حنوش هي أمريكية من أصل عراقي، ولها محاولات في كتابة الشعر أيضاً. تعرفت عليها عن طريق صديقي الناقد الأردني خالد المصري، أستاذ لغة عربية في جامعة ميشيغان، وهو رجل مهووس بحب العراق والأدب العراقي، ولديه كتاب نقدي عن غائب طعمة فرمان نشرته دار المدى قبل سنوات، هو في رأيي أفضل دراسة كتبت عن غائب طعمة فرمان حتى الآن. وقد كان خالد وياسمين يتصلان بي للاستفسار عن الكلمات التي تحمل أكثر من دلالة واحدة، كما جاءت ياسمين لزيارتي هنا في مدريد لاستكمال العمل، وبعد ذلك تم إطلاع أكثر من صديق مختص باللغتين انتهوا بالإشادة بحسن الترجمة والتي على ضوءها تم منح الجائزة.. لذا أشعر بالرضا والطمأنينة والثقة بجودة ترجمة (الفتيت المبعثر).
*باعتبارك كاتب شاب.. ألا تعتقد بأن الأسماء المعروفة القديمة تحتل الصفحات الأولى للمجلات والصحف الثقافية وواجهات المكتبات بحيث تحجب أسماء الشباب وتهمشهم أحياناً، فيما هم بحاجة إلى منحهم فرصة؟.
ـ القاعدة العامة هي أن العمل الجيد سيفرض نفسه في نهاية الأمر، والساحة تتسع للجميع. أما بشأن المسألة التي ذكرتيها، فهي في عالمنا العربي تشكل جزءً من مشاكلنا الكثيرة في المجال الثقافي، وتلعب دوراً، في ذلك، المؤسسات الحكومية الإعلامية، المناصب الوظيفية، والمحسوبيات الشخصية. ففي الوقت الذي نجد فيه دور النشر الغربية وصحفهم الثقافية تبحث عن الجديد والأسماء الجديدة دائماً، وتخصص الجوائز المغرية لذلك، نرى أن واجهاتنا الثقافية تركن إلى المعروف ولا تكلف نفسها البحث عن الجديد، إنما تميل إلى السائد والتقليدي ولا يراودها حتى حس المغامرة مثلاً، لذا يتأخر عندنا بروز الأسماء الجديدة وبعد جهد مضني وانتظار طويل كي تجد مكانتها والاهتمام الذي تستحقه، على الرغم من أن الكثير من الأسماء (المعروفة) في عالمنا العربي ليس لها أهمية إبداعية حقيقية، ولذلك نجد بأنها تختفي بمجرد موتها.. ولذا عليهم أن يفسحوا المجال معهم للشباب ولا يدعوهم في حالة ترقب لموتهم. أما الكبار الحقيقيين فهم يستحقون الواجهة ولا يؤثر موتهم على ذلك.. بل قد يعزز منه، وحضورهم هذا يمثل ضرورة كي نتعلم منهم دائماً.
*يغوص الأسلوب في أقصى الأعماق، وينهل من ماضي الكاتب، وهو يعبر استعارياً عن الشخصية الخفية للكاتب ومزاجه وطبيعته، فأين أنت كمحسن الرملي في هذه الرواية؟.
ـ أنا كاتبها، وأنا شخصية الراوي فيها، مثلما أنني موزع بأشكال مختلفة على بقية الشخصيات وإن كنت قد أخذتها من شخصيات أخرى لها وجودها الحقيقي في الواقع، إلا أنه وأثناء عبورها من خلالي قد أخذت مني وأخذت منها، وهذا ما يحدث مع أي كاتب آخر، وكلنا نعرف قول فلوبير:"مدام بوفاري هي أنا". حيث يصعب الفصل بين ما هو شخصي محض وما هو ليس كذلك.. بل لا يجب الانشغال والسعي إلى فرز ذلك عند القراءة، وإنما الأفضل هو تلقي العمل بصورته النهائية ككل له هويته الخاصة به وكيانه المستقل.

آراء عديدة
*كيف تصنف روايتك (الفتيت المبعثر) من حيث موضوعها؟
.
ـ لست أنا من عليه القيام بذلك، وإنما مسألة تصنيفها متروكة للآخرين.. وحتى الآن عرفت أكثر من رأي بهذا الشأن، فالبعض يعتبرها نموذجاً يمثل الوجه الآخر لأدب الحرب الذي عرفناه في العراق، والبعض يرى فيها نموذجاً لأدب ما بعد الحرب، وآخرون يصنفونها ضمن أدب المنفى.. وهكذا.. إلا أنني دائماً أتذكر وصف الصديق الدكتور أحمد خريس لها باعتبارها "رواية تحريضية".. وأشعر بالاتفاق معه في ذلك إلى حد بعيد.
*استخدامك للشخص الثالث والزمن الماضي.. هل جاء بفعل كونها الصيغ المفضلة عند الروائيين؟.
ـ أنا لم أستخدم الشخص الثالث والزمن الماضي فقط.. بل استخدمت الروي بكل الضمائر تقريباً: الأنا والأنت والهو والنحن والهم.. كما أنني استخدمت مختلف الأزمنة: الحاضر والماضي والمستقبل.. وكان ذلك جزءً من تقنية الرواية المقصودة، حيث أبدأ بالحاضر راوياً بضمير الأنا ثم أستعيد الماضي مشيراً في أكثر من موضع إلى مستقبل هذا الماضي، لذا ترين بأن الرواية مؤطرة بفصلين مختلفين ولهما عناوينهما الخاصة: الأول (صِفر الروي) والأخير (صفر اليدين) فيما جاءت العشر فصول الأخرى، ما بينها، مرقمة.. هذا إضافة إلى أنني لا أفكر بالروائيين الآخرين في لحظة الكتابة.. وإنما استجيب لرؤيتي الخاصة بشأن العمل الذي أكتبه.
*أين تكمن عقدة الحدث في روايتك؟.. وما هو الحل الذي قدمته؟.
ـ لا أظن بأن الأدب الآن أو الرواية يتم فهمها وفق القواعد الكلاسيكية القديمة كالبداية والذروة أو العقدة ثم النهاية أو الحل، لقد أصبح فهم الرواية أكثر ثراءً من ذلك، ولكن إن كان ولا بد، فيمكن لأي قارئ أن يجد في روايتي أكثر من عقدة حسب المسارات الحكائية فيها، ذلك أنها تتناول عدة مواضيع معاً كالحرب والحب والسلطة الدكتاتورية والتقاليد الشعبية وغيرها.. والنهاية مفتوحة لأنها تقوم على استمرارية الحلم والأمل عند الشخصيات.
*وهل تعتقد بأن قدرنا في البحث عن حلول لعقدنا (الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية، وهي سبب كل علة) لا نجده إلا في الحلم والأمل؟.
ـ لا.. طبعاً، فلا يمكن الوصول إلى تحقيق حل أو إنجاز ما إلا بالعمل، ولكن في الوقت نفسه لا يوجد أي عمل ولم يتحقق أي إنجاز إلا وكانت بدايته هي الحلم والأمل، فالصعود إلى القمر، مثلاً، قد كان في البداية حلم شعراء، وها هو قد تحول إلى حقيقة.. بل سوف يتحول القمر في المستقبل إلى منتجع سياحي. وبالنسبة لما عنيتيه في سؤالك عن حالنا العربي العام، أقول: إذا كنا قد خسرنا كل شيء ونعاني القهر والظلم والقمع والفاقة والتخلف والحصارات، فعلى الأقل علينا ألا نفقد الحلم والأمل في تغيير ذلك.. وربما إن الحفاظ على جذوتيهما متقدتين هو جزء من مهمة المثقفين والمبدعين.
*لقد قطعت شوطاً كبيراً ما بين كتابك الأول وكتابك الأخير.. ويقال بأن ولادة الكتابة وتطورها برافق التطور الاقتصادي.. فما رأيك؟.
ـ هذا سؤال ملتبس.. وكأنك تشيرين إلى أنني قد أصبحت غنياً؟.. وهذا ليس صحيحاً كما تعرفين.. وإذا كنت تعنين مبلغ الجائزة فسوف أحقق به بعض أحلامي الخاصة المؤجلة حيث سأدفع تكاليف دراستي وأكملها، وأطبع مخطوطة الرواية الثاني لأخي حسن مطلك، وسأشتري بذلة (قاط) فأنا ابن قرية كما تعلمين، وأحلم بامتلاكها منذ طفولتي حين كنت أرى المعلمين القادمين من المدن إلى قريتي يرتدونها، ولم يفض عندي المبلغ الكافي لشرائها إلا الآن.. وهذا جزء من سروري بالجائزة.. أما إذا كنت تقصدين علاقة التطور الاقتصادي بالكتابة بشكل عام، فلا أظن ذلك على صعيد نوعية وجودة فنية الكتابة.. فأغلب الأعمال الأدبية العظيمة في العالم أبدعها كتاب فقراء أو من بلدان فقيرة. الاقتصاد يؤثر على الكمية ونوعية الطباعة والتوزيع والسوق وما إلى ذلك.. لكن التطور الذي يؤثر فعلاً على تطور الكتابة عند كاتب ما إنما هو تطور الوعي والتجربة. وكتابي الأول كانت له ظروفه الخاصة، حيث كنت أتوقع أن أحصل بفضله على منحة دراسية (ولم يحدث ذلك) لذا جمعت قصصي الأولى كيفما كان، على مساوئها، وطبعتها في مطبعة شعبية خاصة ببطاقات الأعراس وأغلفة البضائع.. ولامني حينها الراحل عبدالوهاب البياتي على تسرعي لأنه أراد أن يعرضها على أصدقاء له من المعروفين في كتابة القصة كي يراجعونها لي ويضعون لها مقدمة ثم ينشره لي في دار معروفة.. لكنني كنت مستعجلاً بحكم حلول موعد سفري حينها للدراسة في إسبانيا.. لذا راح يسعى لي في الحصول على تذكرة طائرة أرخص.. وأعطاني عناوين لأصدقاء له.. لا أنسى مواقفه الكريمة معي.

تعلمتُ من الكبار
*عرفت كتاب كبار في عالم الأدب، وكبار في السن قياساً إلى عمرك، أمثال البياتي وغويتيسولو وباولو كويلو والراحل مؤنس الرزاز وغيرهم، فما طبيعة تعاملك معهم؟.
ـ أتعلم منهم، فالبياتي يشعرك بالصداقة الحميمية دون الاهتمام بالعمر، كنا نذهب معاً في مدريد لمشاهدة أفلام المغامرات في السينما، نحمل معنا أكياس الذرة، ولا أنسى مشهدنا معاً ونحن نعلق ضاحكين على الفلم، كان الأمر بالنسبة لي مثار للدهشة لأن الفارق بيننا أربعين سنة تقريباً والبياتي مشهور قرأت قصائده في مناهج الدراسة. غويتيسولو رجل عظيم فعلى الرغم من كثرة انشغالاته وكبر سنه فهو يعلمك ألا تهمل أمراً مهما كان صغيراً، ويعلمك القراءة بشكل مختلف. أما كويلو فلم أجده مثقفاً كبيراً، لكنه مجرب حياتي كبير ونصحني بضرورة قوة الاعتزاز بديني وتفحص مصادر ثقافتي الروحية بلا تردد، لذا أهديته مسبحة وأهداني رمزاً كاثوليكياً. أما مؤنس الرزاز فقد علمني الصبر وطول الحلم والأريحية، كان مستشاراً لوزارة الثقافة وأنا عامل بناء ومع ذلك يدعوني لتناول القهوة معه ويحدثني ساخراً عن سذاجة الاجتماعات، ثم نتحول لتبادل الآراء حول التجارب الجديدة في الأدب العالمي، وكان يردد دائماً: أنا وأنت في خندق واحد، لأن قاتل أخيك وقاتل أبي هو واحد .. مؤنس مبدع كبير وإنسان كبير لكنه لم يجد المناخ الذي يناسبه حقيقةً.
*يقال بأن الرواية موت، وهي تجعل من الحياة قدراً، ومن الذاكرة حدثاً مجدياً، ومن البقاء زمناً موجهاً ودالاً.. أستاذ الرملي.. ما تعليقك على هذه النقاط من خلال تجربتك الخاصة؟.
ـ لا أستطيع التحدث عن تجربة روائية لي بالمعنى الواسع، على الرغم من أن لي أكثر من محاولة روائية سابقة لم أنشرها لعدم رضاي عنها، ومع ذلك لا أرى بأن الرواية موتاً، بل العكس، هي خلق حياة، وكما قلتِ تجعل من الذاكرة حدثاً مجدياً، أما عن اعتبارها كموت، فقد يتم ذلك إذا ما نظرنا إليها باعتبارها جزءً حياً يطلقه الكاتب ويتخلص منه، أي يخرجه وينهيه من دواخله ويموت.. لذا أشعر مثل أي كاتب آخر، بالارتياح عندما أنتهي من كتابة عمل ما وأتخلص من شخوصه التي كانت تقلقني، وتعيش في داخلي حية تنمو وتتحاور وتفكر.. لكنني بعد كتابتها أنتهي منها وتموت بالنسبة لي كشخص، فيما ستجد حياتها الخاصة المستقلة خارجاً عني، في العمل المطروح.
*كيف ترى حال أدبنا العربي اليوم؟.. هل هو يؤدي الرسالة التي يفترض به تأديتها؟، ولا أعني الالتزام تحديداً.. لأن الأدب بإمكانه أن يؤدي رسائل عديدة عن طريق اللغة، الأسلوب والموضوعة.. وخاصة أننا في زمن كثرت فيه المواجع؟.
ـ إن حال أدبنا العربي هو كحال آداب الشعوب الأخرى.. سواء في الأمس واليوم.. إنه لا يقل عنها أو يزيد، فليس ثمة معايير مقننة لقياس ومفاضلة الآداب، وإنما هناك خصوصيات تؤثر فيها طبيعة الثقافة المنتجة وتكوينها، وليس لنا أن نطالب الأدب بالقيام برسالة نحددها له مسبقاً.. فهو يؤدي وظائف كثيرة منها شهادته على عصره ووصفه له، ومشاركته في تكوين الذائقة والهوية الثقافية وإضاءة الإنساني ضمن المنطقة التي يعمل فيها وعليها.. وغير ذلك. أما عن عدم وصوله إلى مساحة أوسع من المتلقين فلذلك أسباب أخرى خارجة عن الأدب ذاته كنص أو كتكوين إبداعي.
*منذ عرفتك كإنسان وصديق شريك في الغربة وككاتب مبدع، وجدتك صادقاً ومرهفاً وتختنق بالحزن والفخر معاً حين تتحدث عن أب جليل لك في الأدب وفي التجربة وفهم الحياة، ألا وهو الروائي الراحل شقيقك حسن مطلك.. بلا شك أنه قد ترك بصماته على ما أنت فيه اليوم..
ـ نعم.. لقد أثر علي حسن مطلك في كل شيء، واتبعته منذ البداية، حيث بدأت بالرسم حين وجدته يرسم، وتحولت إلى المسرح حين تحول إليه، ثم إلى الكتابة حين رأيته يكتب.. لقد كان لي وسيبقى أخاً وصديقاً وأباً ومعلماً.. لذا كان مقتله بالنسبة لي أكبر كارثة في حياتي.. وما زلت أتعلم منه حيث أنني لا أكف أبداً عن معاودة قراءة ما كتبه، حتى تحولت قراءة روايته المدهشة (دابادا) بالنسبة لي إلى طقس أكرره مرة في كل عام، إلى جانب كتب أخرى ثابتة بالنسبة لي وهي الكيخوته وكلكامش والقرآن.
*والآن.. بعد هذه الجائزة المهمة، هل نستطيع القول بأن مشوارك مع العمل المضني قد بدأ.. حيث أن العمل القادم يفترض أن يكون أكثر أهمية؟.
ـ إن مشواري مع الكتابة قد بدأ منذ عرفتها، أما عن الأعمال القادمة فمن المؤكد بأنها ستكون أفضل لأنني سأعمل جاهداً على فعل ذلك، وسأحرص، قدر الإمكان، على محاولة عدم تكرار نفسي في الأعمال القادمة، وإن كان في أمر التجريب فيما هو مختلف عما نجح التجريب فيه يعد مغامرة، إلا أنني أرى بأن على الكاتب ألا يتمسك بأسلوب واحد حتى النهاية لمجرد أنه قد نجح فيه، وإنما يفترض البحث دائماً عن أسلوب جديد وتجربة جديدة لكل عمل أو كتاب جديد، حتى وإن واجه الفشل أحياناً.. وما يزيد من قلقي ومن حافزي الآن للكتابة.. هو مطالبة أصدقائي لي بذلك.. واتصال أكثر من مترجم بي كي يحجز لنفسه ترجمة روايتي القادمة التي لم أكتبها بعد.. هذا ما فعلته الجائزة ولم أكن أتوقعه.. إنه أمر جديد عليّ، آمل ألا يؤثر على حريتي ولا على محاسبتي الدائمة لنفسي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر هذا اللقاء في جريدة (الزمان) العدد1394/ الاثنين 23 كانون الأول 2002 / لندن.

ليست هناك تعليقات: