السبت، 31 ديسمبر 2011

حوار مع محسن الرملي/أجراه: عبدالحق الرامي /أندلس برس

ضيف العدد
صحيفة (أندلس برس) العدد 15 سنة 2011م مدريد

حوار مع الكاتب والشاعر العراقي محسن الرملي
أجرى الحوار: عبدالحق الرامي
الدكتور محسن الرملي هو واحد من أبرز الأسماء الثقافية العربية في إسبانيا. كاتب وأكاديمي ومترجم وشاعر. ولد سنة 1967 في قرية (سُديرة) شمال العراق. حاصل على الدكتوراه، بتقدير ممتاز مع درجة الشرف، من جامعة مدريد (أوتونوما)، كلية الفلسفة والآداب عن رسالته: (تأثيرات الثقافة الإسلامية في الكيخوته) 2003. يكتب بالعربية والإسبانية وتُرجمت بعض كتبه ونصوصه إلى لغات عديدة، وشارك في الكثير من الندوات والأمسيات والمؤتمرات ومعارض الكتاب العالمية في العراق والأردن والمغرب وإسبانيا والبرتغال والكويت ولوكسمبورغ وقطر وكولمبيا والجزائر وليبيا والمكسيك. أسس سنة 1997 مع الكاتب عبد الهادي سعدون دار ومجلة "ألواح" الثقافية في إسبانيا. يعمل حالياً أستاذ في جامعة سانت لويس الأمريكية في مدريد. أقام في الأردن خلال عاميْ 1993-1994 ويقيم في إسبانيا منذ عام 1995. التقيناه في مدريد وكان لنا معه هذا الحوار:
*هل لك أن تحدثنا عن الأسباب التي جعلتك تهاجر من العراق للاستقرار في إسبانيا؟
ـ هاجرت بعد أن شعرت بأنني أختنق مع انعدام الحرية وازدياد القمع في العراق وبدء الحصار الدولي عليه. في مطلع التسعينيات سُدت كل الآفاق أمامي وحاصة بعد إعدام شقيقي حسن مطلك لاشتراكه في محاولة لقلب نظام الحكم، فلم يكن بعدها من السهل إيجاد وظيفة وخاصة أن الأجهزة الأمنية تراقب كل خطوات ذوي المعدومين وتطالبهم بإفادات معلومات دائمة، وقد فكرت بالهرب إلى سوريا عبر الشمال أثناء اندلاع حرب الخليج الثانية لكن أمي منعتني من ذلك وهددتني بأنها ستنتحر إذا فعلت، لذا اضطررت للبقاء واحتمال كوابيس ورعب الحرب والخدمة العسكرية التي كنت فيها قائد دبابة، وما أن انتهت ثلاثة أعوام من خدمتي العسكرية حتى سارعت بالخروج إلى الأردن، بقيت هناك لعامين ثم جئت إلى إسبانيا.
* كيف كانت السنوات الأولى من الاغتراب؟ وما هي الصعوبات التي لاقتك للتأقلم مع بيئتك الجديدة؟
ـ سنواتي الأولى كانت صعبة إلا أنها لم تكن أصعب من سنواتي الأخيرة في العراق ولا أصعب من سنواتي في الأردن، وبما أن العودة إلى الوراء لم تكن واردة لدي، كان علي أن أبذل كل ما بوسعي لكسب العيش ولتحسين وضعي قانونياً أولاً ومن ثم دراسياً وثقافياً، وهذه الجهود، رغم صعوباتها إلا أنها أعانتني على معرفة الثقافة الإسبانية أكثر والغوص في أعماقها الشعبية وليس المكتوبة فقط، إلى أن تمكنت تدريجياً من التأقلم معها، بل وحتى الانسجام ومحبتها لاحقاً.
*حسب معلوماتنا، منذ استقرارك في إسبانيا وأنت تزاوج بين العمل والدراسة؟ هل هو عمل بمقولة اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد؟
ـ ليت عمري كله، منذ ولادتي وحتى مماتي هو طلب للعلم وحسب، ولكن مسألة العمل كانت ولاتزال تأخذ الكثير من وقتي، لم يكن أمامي خيار آخر، كنت مضطراً للعمل في ميادين ومهن عديدة ليست من اختصاصي أو برغبتي، ولو كان بوسعي الاختيار فإن حلمي الدائم هو أن أتفرغ لطلب المعرفة والعمل الثقافي فقط.
*كيف كانت البدايات الأولى مع الشعر والكتابة؟ وما هي أولى أعمالك التي لاقت نجاحا؟
ـ أبي كان رجل دين علم نفسه بنفسه، وأخي حسن مطلك كان رساماً وكاتباً وكنت أتبع خطوات أخي دائماً حيث بدأت بالرسم ثم الشعر ثم النثر وكان هو يشجعني ويرعاني في هذه المسألة وأعجبته ثاني قصة كتبتها حين كنت صغيراً عنوانها (العصر الطباشيري) فكان يعرضها على أصدقائه من الكتاب المعروفين وتسعدني أرائهم بها، أما عن أعمالي فربما يكون كتابي (أوراق بعيدة عن دجلة) هو أكثر كتبي التي حظيت بالقراءات النقدية، وكتبت نصوصه في أعوامي الأولى هنا في إسبانيا حيث كانت وطأة الغربة في أوجها على روحي.
*كيف ترى دور المثقف العربي في إسبانيا؟ وما هي الأسباب الكامنة وراء الفعل الثقافي العربي الباهت في إسبانيا؟
ـ بشكل عام ليس لدينا عدد كبير أو أسماء كثيرة معروفة من المثقفين العرب في إسبانيا مقارنة بما هو عليه الحال في دول مهجر أخرى كبريطانيا وفرنسا وألمانيا مثلاً، وأسباب ضعف الفعل الثقافي العربي هنا كثيرة، منها ما أشرت إليه، ومنها ضعف اهتمام المؤسسات العربية والإسبانية على حد سواء بالثقافة والمثقفين العرب.
*إسبانيا والعرب يجمعهم تاريخ مشترك دام لأكثر من ثمانية قرون ولكن إسبانيا المعاصر هي أبعد عن العرب من باقي الدول الغربية الأخرى. ما هي برأيك أسباب هذا التباعد؟
ـ إسبانيا حالها حال أي بلد غربي آخر يضع مصالحه، وخاصة الاقتصادية، على رأس أولوياته، ولو أننا نحن العرب وفرنا لها إغراءاً اقتصادياً مطمئناً لتغير تعاملها معنا ومع إرثنا الثقافي والتاريخي المشترك، لكنها تجد الآن مصالحها أكثر مع من هم شمالها وليس جنوبها، أي مع محيطها الأوربي والغربي، وهذا أمر منطقي ومفهوم.
*أغلب الجاليات الأجنبية بإسبانيا، وعلى الرغم من صغر حجمها، لها وسائل إعلام بلغتها الأم إلا الجالية العربية؟ ما هي برأيك الأسباب الكامنة وراء هذا الوضع الشاذ؟
ـ ربما لأن الغالبة من أبناء الجالية العربية هم من المهاجرين البسطاء الباحثين عن الرزق أولاً وممن لم يكملوا تعليمهم ولم يكونوا من القراء أصلاً حتى في بلدانهم، يضاف إلى ذلك ضعف التواصل والتجمعات أو الجمعيات التي تنظم شؤون الجالية، هذا إلى جانب انعدام الاهتمام والدعم من قبل الحكومات العربية وممثلياتها هنا، وهذه من بين الأسباب التي أدت إلى أحباط الكثير من المحاولات الفردية الطيبة في تأسيس منابر إعلامية وثقافية.
*كيف ترى مبادرة إطلاق جريدة أندلس برس الورقية وهل تراها كافية؟
ـ إنها مبادرة كبيرة وجادة وطموحة تستحق منا جميعاً الالتفاف حولها ودعمها، وإن نجاحها ودوامها سيكون نجاحاً لنا جميعاً، وهي في الوقت نفسه مغامرة لأنها تنطلق ورقياً في زمن تتراجع فيها الصحافة الورقية بشكل متسارع، أما عن كونها كافية أم لا، فبالتأكيد إننا نتمنى تعدد واتساع التجارب المشابهة لها، لتكون لدينا إلى جانبها صحف أخرى بل حتى إذاعات وقنوات فضائية ودور نشر وغيرها من الهيئات والمؤسسات الإعلامية والثقافية العربية التي ستساهم بالتعريف بثقافتنا وبالدفاع عنا بل وحتى في التأثير على الرأي العام والقرارات السياسية لصالح قضايانا.
*قبل سنة ونصف تقريبا وفي حوار مع أندلس برس الإلكترونية تنبأت للصحفي المغربي اللامع بالسجن أو بالإستوزار. أقل من سنة بعد هذا الحوار دخل السجن. مع الذي دفعك للتنبأ له بهذا المستقبل؟
ـ ربما لأن معرفة البدايات تسهل معرفة النهايات، وأنا كنت قد عرفت رشيد نيني كتابياً وشخصياً منذ بداياته. بدأ شاعراً وكنا في دار ألواح قد طبعنا له ديوانه الأول (قصائد فاشلة في الحب) وليته بقي شاعراً، إلا أنه كان يحلم بالنجومية وبالوصول السريع إليها بأي ثمن وهذا ما حققه فعلاً لأنه شخص ذكي ويعرف كيف يصل وكيف يستغل ويوظف كل شيء من أجل الوصول، حتى أنني الآن لا أتصور بأنه منزعج من سجنه، كما يظن البعض، بل ربما يعتبره فرصة أخرى كبيرة لتحقيق مزيد من النجومية بعد أن حقق أهدافه من الصحافة، هذا إذا لم يكن سجنه قد تم بالاتفاق أصلاً لأغراض مستقبلية، كأن يتم تلميعه لتقديمه لاحقاً على أنه بطل شعبي غير تابع للنظام ويتم من خلاله استقطاب قطاع واسع من الناس وخاصة في ظل ثورات الربيع العربي التي فرضت أخذ صوت الشارع بعين الاعتبار في المعادلات السياسية الجديدة، ولهذا فلن يكون من المستغرب مستقبلاً أن يشكل حزباً أو ينتمي لحزب معين وهكذا، لذا لازال توقعي قائماً بأن يصبح وزيراً أو ما شابه، فقد أصبح هو الآن جاهزاً ومناسباً للعب أي دور يسند إليه أو حتى للقضاء على ظاهرته تدريجياً ومن ثم انكفائه، وسترى كيف سيستثمر وضعه الحالي ويخرج من السجن بكتاب شعبوي كما فعل في كتابه (يوميات مهاجر سري) الذي صور فيه أنه كان يعاني وما إلى ذلك بينما الحقيقة أن معاناته لم تكن ربع معاناة أي مهاجر آخر.. على أية حال إن رشيد يعرف ما يريد ويعرف كيف سيصل إلى ما يريد.
*ما هي مشاريعك الأدبية والثقافية المستقبلية؟
ـ كل حياتي القادمة هي سلسلة من المشاريع الثقافية وأغلبها في مجال الكتابة، صدر لي مؤخراً ديوان (نائمة بين الجنود) باللغتين العربية والإسبانية، وتحت الطبع مجموعتي القصصية الجديدة (برتقالات بغداد وحُب صيني)، وانتهيت الآن من كتابة رواية بعنوان (حدائق الرئيس) آمل أن تصدر في مطلع العام القادم.
*كلمة أخيرة للمثقفين العرب بإسبانيا؟
ـ أدعوهم لعدم اليأس وإلى مواصلة عملهم وعطائهم الثقافي مهما تكن الصعوبات التي نواجهها، وإلى أن نزيد ونكثف من تواصلنا ولقاءاتنا بغية بلورة مشاريع مشتركة، فثمة الكثير مما ينبغي علينا فعله ونستطيع القيام به.

ليست هناك تعليقات: