الثلاثاء، 25 ديسمبر 2012

حوار مع محسن الرملي / أجراه: عبدالله الزهري

الرملي: الرواية لم تهجر العراق

قال: إن المدارس والمناهج النقدية إلى انحسار.. والمجلات الرصينة تراجعت
 صحيفة (الوطن) السعودية، العدد 447 بتاريخ 25/12/2012م
أجرى الحوار: عبدالله الزهري ـ أبها

حين يرتحل الهم الإبداعي مع المبدع يخلق فيه هما دائما لإعادة تحريره وترتيبه فنيا بما يجعله مناخا ممكنا للتعاطي مع سؤالات الحياة وهموم الإنسان البسيطة فيها. وحين يرتحل المبدع عن أرضه تبقى معلقة به كما يظل معلقا ومشغولا بها. هذا الحوار مع الأديب محسن الرملي، يفتح آفاقاً لتلك الرحلة التي تتمثل في هجرة أدباء العراق إلى أصقاع العالم.. إلى التفاصيل:
*ها أنت تدخل العام العشرين من هجرتك، ألم تفكر بالعودة؟
ـ أفكر بالعودة كل يوم وأؤجلها في كل عام، هذا هو حالي ولازال فيما سنوات العمر تمضي، فكل ما أطلبه من المكان الذي أريد العيش فيه هو أن يوفر لي الأمان والحرية، وهذا ما لم يتحقق في العراق حتى الآن.
* هل يمكن أن نقر بهجرة الرواية العراقية، مع هجرة كثير من الأدباء والكتاب العراقيين؟
ـ الرواية العراقية لم تهجر العراق أبداً وإن كان أغلب كتابها قد هاجروا إلى خارجه، وذلك لأن مواضيعها وهمومها ظلت عراقية، وليس هذا بأمر جديد، فخير مثال عليه تجربة أحد أهم أقطاب الرواية العراقية الحديثة وروادها، وهو غائب طعمة فرمان الذي عاش أغلب حياته في موسكو ومات فيها لكنه كتب أهم الروايات العراقية وأكثرها محلية.
* هل توقفت الرواية العراقية، ولو مؤقتا، وأين هي مواطن التوقف؟
ـ لا، لم تتوقف، بل زاد إنتاجها، لكن الإشكالية تكمن في أنها لم تجد الوقت الكافي من الاستقرار كي تستوعب وتهضم كل هذا الذي عصف ولازال يعصف بالبلد لتعبر عنه برؤية ونماذج بحجم الذي حدث، وكما تعلم فإن كتابة الرواية تحتاج إلى الاستقرار ووقت للتأمل كي تتمكن من عكس صورة المشهد الذي تتناوله.
* ما الذي ميز الرواية العراقية عن غيرها، خاصة أننا نشهد حالة من ضعف وصول الانتاج العراقي إلى القارئ العربي؟
ـ إنه الهم السياسي الدائم فيها، فلا تخلو أية رواية عراقية من الموضوعة السياسية المحلية وربما هنا يكمن ما تصفه بضعف وصولها إلى المتلقي العربي، هذا من حيث الموضوعة، أما من حيث توزيعها فيعود للشتات العراقي نفسه وبالتالي تشتت أماكن طبعها وتوزيعها، وافتقارها إلى مؤسسات ثقافية رسمية أو مستقرة تدعمها، وكذلك لرقابات بعض الدول العربية، وعلى الرغم من كل هذا فإن عطاء الرواية العراقية لم يتوقف، وأي قارئ في العالم يهتم بالحصول عليها جدياً فلا أظن بأنه سعجز عن تحقيق ذلك.
* ما أوجه الاختلاف برأيك بين انتاج الداخل العراقي وانتاج الخارج في بلاد المهجر، إن وجدت هذه التباينات؟
ـ بالتأكيد هناك فروقات، وهي غالباً ما تتعلق باختلاف زاوية النظر والتناول للموضوعة العراقية ذاتها، فالذي خارج الحدث يراه بشكل مختلف عمن هو داخله، بما في ذلك مؤثرات في الأسلوب وفي بعض المفردات المستخدمة أحياناً، فهناك تباين في الحالة النفسية للكاتب طبعاً وتباين في التأثيرات الخارجية المحيطة به سواء أكان ما يتعلق بظروف هجرته واطلاعه على لغات وثقافات مختلفة بالنسبة لكتاب المهجر أو التقلبات والأحداث والتغيرات الكبيرة اليومية التي تحيط بكتاب الداخل.
* بحكم وجودك الطويل في إسبانيا، كيف يمكن أن تصف وتقيم تعاطي أدباء المهجر مع بعضهم على المستوى الشخصي والتناول الابداعي، وكيف هي حالة الحراك الثقافي الابداعي العربي؟
ـ بالنسبة لإسبانيا فهي ليست وجهة هجرة للمثقفين والمبدعين العرب عموماً كما هو الحال مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأمريكا مثلاً. أما عن تعاطي أدباء المهجر مع بعضهم بشكل عام، فأعتقد بأنه أقل توتراً وشللية مما هو عليه في داخل البلدان العربية، وربما يعود ذلك لابتعادهم عن المماحكات والمنافسات التي في داخل ميادين الثقافة العربية كالتنافس على المناصب في المؤسسات والاتحادات والمجلات والصفحات الثقافية والنشر والمهرجانات وما إلى ذلك من تلافيف العلاقات الشخصية المصلحية وغيرها، كما أن للثقافات الأخرى تأثيراتها حتماً ومنها على سبيل المثال ترسيخ مبدأ احترام الآخر المختلف بشكل أعمق في نفوسهم، عملياً وليس نظرياً، إضافة إلى أن الجديد الذي تطرحه هذه الثقافات يومياً أمام أعينهم من إبداعات حقيقية وكبيرة ورائعة يقلل من نرجسيتهم وتضخم الذات وأوهامها فيقودهم ذلك إلى أن يتواضعوا أكثر.
* تقوم وتشرف على إعادة ترتيب ونشر أعمال أخيك الراحل حسن مطلك، في البدء؛ كيف تقرأ مشروع حسن المحدود ضمن بنية الرواية العربية؟
ـ كل ما أنجزه حسن مطلك كان في ظروف صعبة وبوقت قصير وفي سن مبكرة بين العشرين والثلاثين من عمره، فلم تتح له فرصة تقديم مشروعه كاملاً كما كان يريد ويحلم، ومع ذلك فإن مجرد بدايات هذا المشروع في روايتيه (دابادا) و(قوة الضحك في أورا) وفي قصصه ويومياته التي يصنفها على أنها (كتابة حرة)، كانت واضحة بتميزها واستطاع من خلالها أن يبرز تميزه التام عن مجمل النتاج الروائي العربي، ولذا فهو إضافة وتنوع وإثراء للرواية العربية. أعتقد بأنه إضافة نوعية خاصة لمن تعنيه خصوصية النوعي في الثقافة العربية.
* حالة متفردة انسانية شفيفة وخاصة نقرأها في أعمال مطلك، ما السر في لغة حسن والقصة التي يبثها؟
ـ حسن مطلك بمجمله هو ظاهرة خاصة وناصعة في الثقافة العربية من حيث شخصه ورؤيته وإبداعه وموقفه ومقتله التراجيدي، وأنا شخصياً عرفت كتاب ومبدعين من مختلف الجنسيات والأجيال والمستويات، معروفين ومغمورين.. ولكنني حتى الآن لم أجد من بينهم من هو ملتحم بالأدب والكتابة كالتحام حسن مطلك بها، بحيث لا تستطيع التفرقة بينه كإنسان له كينونة واقعية ملموسة وبين الأدب.. كأنه شخصية خارجة من النصوص الأدبية وعائدة إليها. وهو صادق تماماً في قوله: "أنا والكتابة شيء واحد" لذا فاللغة بالنسبة له ليست مجرد أداة كما هي بالنسبة للغالبية، وإنما هي وجود حي بمعنى الكلمة بحيث أنك عندما تقرأ له تكاد تلمس كلماته بأصابعك وتشعر بنبضها.
* يعاني بعض القراء من فهم مشروع حسن مطلك وأعماله، وكأنها تنغلق أكثر مما تشكل انفراجة في الرواية العربية؟
ـ هذا طبيعي، لأن حسن مطلك لم يكن يكتب لقراء التسلية وتزجية الوقت، وإنما إلى قارئ يعتقد بأنه من مستواه من حيث الهم والعمق ومن حيث الذائقة والوعي وتحسس ضرورة قوة ودقة وجمال التعبير. وحدهم الذين يتعاملون مع النصوص على أنها ظواهر حقيقية في الوجود وأن فعل القراءة هو عمل جاد، هم من سيتمكنون من الفهم والتمتع والتعلم أو التحاور وحتى المشاركة في مشروع ونصوص حسن مطلك، وباختصار فإن نصوصه لا تصلح للقراءات العابرة، المستعجلة أو السطيحية لأنها لاتمنح نفسها بسهولة، وإنما تشترط قارئاً جاداً لديه الاستعداد للوقوف عند العبارات وللتأمل ولإعادة القراءة.
* ما هي الفكرة والهم الذي يشغل محسن الرملي، في رواياته؟
ـ في الأصل هو هم يخص علاقتي بالكتابة ذاتها، أي أنه هم وجودي يتعلق بمحاولة إيجاد فهم ما لهذا الوجود، لذا فهو يتمحور حول المواضيع الأساسية ذاتها وأولها معضلة الموت وبالتالي بالهموم الإنسانية عموماً، أي أن أكثر ما يهمني هو الإنسان، أوجاعه، أحلامه، تعقيداته، جوانب الخير والشر فيه، لذا فإن ما يحيط به من أشياء وكائنات أخرى وأمكنة وظروف، ما هي بالنسبة لي إلا أدوات مساعدة في محاولة الفهم هذه، ومنها على سبيل المثال ظروف العراق التي عشتها وأعيشها وأعرفها هي حاضنة لجل كتاباتي كمناخ خاص أحاول من خلاله التفحص والتعبير عن وجوه من هموم الإنسان عموماً.
* كنت أسست مع عبدالهادي سعدون مجلة "ألواح"، ما الذي أوقف هذا المشروع؟
ـ أوقفناها لأننا نعتقد بأنها قد أدت دورها في المرحلة التي ظهرت فيها وهي على مدى عشرة أعوام بين 1997 و2007 حيث برزت شبكة الانترنيت واتسعت مساحات الحرية والتواصل بين الثقافات والأجيال والتي كانت من بين أهداف ألواح، كما أن تزايد انشغالاتنا ومسؤولياتنا مع تقدم العمر وارتفاع تكاليف الطباعة والتوزيع وغيرها.. كل ذلك أدى إلى قرار إيقافها وانغماسنا أكثر بالحياة الأسبانية، وربما لو أتيحت لنا ظروف أخرى مستقرة وإمكانيات في العراق أو أي بلد عربي آخر لأعدناها بدفق وروحية جديدة.
* أخيراً؛ كيف تنظر لعملية النقد العربي الآن فيما يخص الرواية، بعد مرورها بفترات من الفطرة في القرن المنفرط؟
ـ بالفعل، أصبح لدينا الآن إرث غني من الرواية العربية، بل أن كل بلد عربي صار لديه ما يمكن اعتباره نتاج روائي يستحق القراءة والنقد والدراسة، وفي رأيي أن النقد العربي لم يُقصر كثيراً بمواكبة هذه المسيرة، وخاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار قصر عمر هذين الجنسين (الرواية والنقد) لدينا قياساً لوجودهما وتاريخهما الطويل في ثقافات أخرى. أما عن حاله الآن فأرى بأنه لا يختلف كثيراً عن حال النقد في العالم بشكل عام، حيث أصبحت القراءات أو النقد الصحفي هو الذي يتصدر المشهد، تجاورها الدراسات الأكاديمية في الجامعات ومراكز البحث والندوات وغيرها. أرى الأمر عام ولا يخص الثقافة العربية وحدها، حيث: غزارة في الإنتاج الروائي، انحسار المدارس والمناهج النقدية، تراجع المجلات الرصينة، شيوع ورسوخ النقد الصحفي المؤثر والمتأثر بالسوق، واستمرار ميدان البحوث الأكاديمية على وتيرته.
-----------------------------
*نشر في صحيفة (الوطن) السعودية، العدد 447 السنة الثالثة عشرة، بتاريخ 25/12/2012م.

ليست هناك تعليقات: