الأربعاء، 22 أغسطس 2012

حوار مع د. محسن الرملي / أجراه: محمد الأصفر


د. محسن الرملي :
المثقف العربي واجه الديكتاتوريات عندما كانت الشعوب صامتة

 حاوره: محمد الأصفر

الكاتب العراقي محسن الرملي واحد من الأسماء الأدبية التي برزت في الأدب العربي المعاصر في السنوات الأخيرة، فهو يكتب بالعربية والإسبانية وترجمت بعض نصوصه إلى لغات عديدة، وإضافة إلى رصيده من إصدارات في الرواية والشعر والمسرح والترجمات وصلت إلى عشرين كتاباً منها روايتيه الفتيت المبعثر وتمر الأصابع، ها هو يصدر الآن مجموعة قصصية رابعة في الأردن تحمل عنوان (برتقالات بغداد وحب صيني)، التقيناه بعيد وصوله من مشاركة في معرض غوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك، ليحدثنا عن مشاركته في معرض المكسيك للكتاب وعن إصداره القصصي الجديد (برتقالات بغداد وحب صيني) :

ـ كيف وجدت حضور الثقافة العربية في المكسيك؟
ـ للأسف، يكاد حضور الثقافة العربية أن يكون معدوماً في المكسيك وفي عموم أمريكا اللاتينية، بينما يفترض أن يكون تقاربنا وتعاوننا أكبر، وخاصة أن ليس بيننا وبينهم أي عداء تاريخي فلم نحتلهم ولم يحتلوننا كما فعل الأنكليز والفرنسيون والأمريكان، كما أن القوى الكبرى صنفتنا وإياهم على أننا من العالم الثالث، وثمة عوامل مشتركة كثيرة بيننا وبينهم من حيث الحس الثقافي العاطفي والعائلي وتسليط الديكتاتوريات علينا، وكذلك وجود أعداد لا يستهان بها منهم من أصول عربية برزت بينها شخصيات كبيرة في الثقافة والسياسة والاقتصاد والفنون. حين سألت إدارة معرض غوادالاخارا، وهو أكبر معارض الكتاب في أمريكا اللاتينية، عن سبب الغياب العربي، قالوا بأنهم يتمنون أن يخصصوا إحدى دوراته للثقافة العربية ولكنهم كلما خاطبوا الجهات العربية عبر سفاراتها منذ أعوام يقولون سندرس الموضوع ولا يردون.

ـ بدأت بالقصة ثم انتقلت الى الرواية والآن تعود إلى القصة مجددا، كيف كان هذا التجوال؟
ـ  نعم أنا بدأت بالقصة القصيرة ولكنني لم أنقطع عنها وليس في نيتي فعل ذلك، فهي من أرقى الفنون الأدبية وأصعبها بعد الشعر، إلا أنها لا تكفيني أحياناً عندما أريد التعبير عن مواضيع أو قضايا كبيرة، وهذا ما كان يحس به ويقوله حسن مطلك أيضاً، وأتصور أن غالبية الكتاب لديهم هذا الشعور، وخاصة أن الرواية فن مطواع وقابل لاستيعاب مختلف الأجناس الأدبية وللتكيف مع شتى التحولات المعاصرة.

ـ في فترة ماضية اهتممت بروايات أخيك الشهيد حسن مطلك وقمت بنشرها، أين تلتقي مع أخيك إبداعيا؟ في الرؤى، في الأسلوب، في الإحساس بالعراق وظلم الديكتاتورية؟
ـ لازلت وسأبقى مهتماً بنشر بقية أعمال أخي حسن مطلك ولن أشعر بالراحة إلا أن أتم نشرها كلها، أولاً لأنها تستحق ذلك وثانياً كنوع من المقاومة والتحدي للديكتاتورية التي أخرست صوته وهو في عز عطائه، أما عما نلتقي به، فربما ببعض الرؤى والإحساس بالعراق، فيما نختلف بالأسلوب ولا أجرؤ حتى على إجراء مقارنة بشأنه، لأن أسلوبه متفرد ولا أتردد في وصفه كجوهرة أو تحفة من تحف الأدب العربي الحديث.

ــ كيف ترى المشهد الثقافي العربي في ظل الثورات الحالية؟
ـ أعتقد بأن الوقت لازال مبكراً لتقييم ذلك، فعدا أن الثورات العربية لم تكتمل أو لم تحقق أهدافها بعد، فإن الثقافة الحقة ليست عبارة عن ردود أفعال مباشرة وإنما تحتاج إلى وقت، إلى مسافة زمنية عن الأحداث كي تقدم رؤيتها بشكل أنضج، وأتوقع أن تحدث تحولات إيجابية لاحقاً على المشهد الثقافي العربي، والعالم ينتظر منه الكثير. وأنا لا أتفق مع الذين هاجموا المثقف واتهموه بالتقصير وطالبوه بالمشاركة الفيزيائية في الثورات، ذلك أن أدوات المثقف أو المبدع مختلفة، كما أن المثقف العربي كان يواجه الدكتاتوريات في أعتى قوتها وبطشها حين كانت الشعوب صامتة وكم من مثقفينا ومبدعينا عانوا السجن والقتل والتشريد فيما لم تخرج أية مظاهرة من أجلهم!، والأمة التي تهمش أو تقلل من شأن مبدعيها إنما تقلل من شأن هويتها ونفسها.
ـ بين الصين وبغداد عدة طرق، منها طريق الحرير، وبغداد والصين مكانين مثخنان بالتاريخ والحضارة، هل من علاقة بين سور الصين العظيم وبرج بابل ومكتبتها؟
ـ  الصين أمة عظيمة وجهة أخرى من العالم لازالنا مقصرين في معرفة ثقافتها وبالتعامل معها في الزمن الراهن فيما كان أجدادنا على صلة وتبادل أفضل بحيث ساهما معاً بالتأثير وإغناء الثقافة العالمية الإنسانية، وبالفعل ثمة أشياء كثيرة تاريخية وثقافية واقتصادية تربطنا، وكلانا نحسب على الفلسفة والثقافة الشرقية الأمر الذي سيجعل تفاهمنا أسهل ومن تلاقح ثقافتنا قوة مؤثرة ومثيرة للإنسانية جمعاء وخاصة في زمن نلاحظ فيه الإنهاك الذي يصيب الكثير من مفاصل الثقافة الغربية فكرياً وروحياً واقتصادياً.

ـ يقولون أن الامبراطور الذي بنى سور الصين العظيم كان قد أحرق كل الكتب التى في الصين وفي بغداد هناك دار الحكمة التى حرقها المغول.. هل من حريق إبداعي داخل قصصك هذه يمكننا الاستئناس بنوره ودفئه؟
ـ أظن وآمل بأن القارئ لكتابي هذا لن يشعر بالخيبة وبأنه سيجد فيها شيئاً يعجبه، ففي مجموعتي القصصية (برتقالات بغداد وحب صيني) أنواع من الاحتراقات، إذا جاز التعبير، وهي تتطرق لعدة قضايا منها عن سلوك المثقف الشاعر بمواجهة الحرب والاحتلال، ومنها عن الحب والهم الوجودي وعن الذاكرة والهجرة وتلاقي الثقافات المختلفة وغيرها، وفي قصة (حب عراقي ـ صيني)، على سبيل المثال، تجد نموذجاً لهذا الذي ذكرناه عن العراق والصين.
-----------------------------
*نشر في موقع (المأنوس) الليبي، بتاريخ 19/8/2012م
  محمد الأصفر / أصيلة

ليست هناك تعليقات: