الثلاثاء، 10 مارس 2009

حوار / عن الترجمة



حوار مع الدكتور محسن الرملي


أجرته: الجمعية الدولية للمترجمين واللغوين العرب/واتا

*الدكتور محسن الرملي أديب ومترجم وأكاديمي وصحفي، فأين يجد نفسه أكثر بين كل هذه الميادين؟.
ـ أجد نفسي في الأدب أولاً ومن ثم في كل ما هو أدبي في الميادين المذكورة الأخرى كالصحافة والترجمة والعمل الأكاديمي، فالأدب هو الذي قادني إليها جميعاً.
*ما هي أنواع الكتب التي تجذبك وتطالعها غالبا؟.
ـ الكتب الأدبية بشكل عام، سواء أكانت إبداعية أو دراسات نقدية. إضافة إلى نماذج أخرى منتقاة من الكتب التاريخية والأنثروبولوجية والفلسفية.
*ما هي أهم الدوريات التي نشرت فيها؟.
ـ الدوريات والمنابر العربية والأجنبية التي نشرت فيها كثيرة ويصعب حصرها، لكنني أعتقد بأن ما نشرته في الملحق الثقافي لصحيفة الموندو الإسبانية قد كان الأهم من حيث الصدى الواسع الذي حققه بحيث تمت إعادة نشره في أكثر من منبر ناطق بالإسبانية سواء في إسبانيا نفسها أو في أمريكا اللاتينية، كما تمت ترجمته إلى أكثر من لغة.
*ما هي أبرز الإنجازات التي حققتها مؤسستكم (ألـواح) منذ تأسيسها في مدريد سنة 1997؟.
ـ على الرغم من أنها مشروع قائم على جهد شخصي لمثقفين اثنين فقط إلا أنها حققت الكثير من الأهداف التي تأسست من أجلها، ومن ذلك مثلاً ما كان في أعوام الدكتاتورية والحصار على العراق عملنا على أن نجعل من مشروعنا جسراً تعبر عليه نصوص من كانوا في الداخل إلى من هم في الخارج والعكس، وكذلك جسراً بين النتاجات الجديدة للشباب العرب (مغاربة ـ مشارقة)، إضافة إلى متابعة جديد الثقافات الأخرى، وخاصة الناطقة بالإسبانية، والترجمة منه والإخبار عنه. نشرنا نصوصاً كان من الاستحالة نشرها في داخل العراق مثلاً.. أو حتى في أي منبر عربي آخر، ومنها على سبيل المثال الملفات أو الأعداد التي خصصناها لمواضيع: الإيروتيكية، البحث عن الإله، الأدب العربي الرديء وغيرها.. كما أقمنا بعض المعارض الفنية في إسبانيا لفنانين عرب وعراقيين، واستثمرنا اسم ألواح، أيضاً، بالمشاركة في دعم وتسهيل حصول العديد من أصدقائنا المثقفين على حق اللجوء إلى دول أخرى سواء أكانوا أفراداً أو مع عائلاتهم.. وعلى الرغم من هذا ومن الكثير الذي فعلناه إلا أننا نشعر بأنه قليل جداً قياساً إلى ما تمنينا ونتمنى فعله وقياساً إلى ما يحتاجه ويستحقه المشهد الثقافي العراقي والعربي.
*ما هي المشاريع التي تحلم بإنجازها وما هي الطموحات التي تسعى لتحقيقها؟.
ـ مثل أي مثقف آخر، دائماً هناك مشاريع آمل إنجازها مستقبلاً وهي عموماً في إطار الكتابة والترجمة الأدبيين.
*ما هي أهم أبحاثك في مجال اللغويات والترجمة؟.
ـ عدا القراءات النقدية للأساليب اللغوية لبعض الأعمال الأدبية وأراء شخصية في عملية الترجمة، فإن ما كتبته مما يتعلق باللغويات والترجمة هو قليل ويكاد ينحصر في الميدان الأكاديمي، حيث درست الكلمات والأمثال وبعض التراكيب اللغوية ذات الأصل العربي في لغة الدون كيخوته إضافة إلى مقال عن شخصية المترجم في هذا العمل العالمي الخالد.
*هل اقتصر اختصاصك على الترجمة في مجال معين؟.
ـ نعم، فحتى الآن اقتصر على الشؤون والنصوص الأدبية بأنواعها شعراً ونثراً وشهادات إضافة إلى الأجناس الصحفية الأخرى المتعلقة بالأدب أيضاً.

*كيف كانت تجربتك في أول كتاب ترجمته؟.
ـ عند ترجمتي للكتاب الأول، لم تكن الترجمة بجديدة علي لأنني كنت قد سبقتها بترجمة الكثير من النصوص القصيرة ونشرها في الصحف لذا لم يكن الفارق كثيراً باستثناء المزيد من الجهد والمزيد من الإحساس بالمسؤولية.
*كيف كان شعورك عندما مارست الترجمة لأول مرة؟.
ـ أعتقد بأنه الإحساس باللذة ذاته سواء كان عند الترجمة الأولى أو الأخيرة، نوع من الشعور بالرضى كونك قد أنجزت شيئاً ما.. وهو شعور مشابه أيضاً لجهد الكتابة ولذتها إلى حد بعيد.
*هل تعتقد أن المبدعين العرب من أمثالك قد نالوا حقهم من الأضواء أو الانتشار؟ ولماذا؟.
ـ فيما يتعلق بي شخصياً وبأعمالي الأدبية الإبداعية وترجماتي فأنا راض بما نالته من تلقي وقراءات أو إضاءات، كما تصفها، وذلك لأنني مازلت أعتبر نفسي في بداية مشواري الحقيقي حتى الآن. أما عن الآخرين فأعتقد بأن هناك الكثيرين من المبدعين العرب ممن لم ينالوا وأعمالهم حتى الآن ما يستحقونه من انتشار.
*ما هي المشاكل التي تواجهها كليات اللغات والترجمة، في نظرك؟.
ـ المشاكل كثيرة، ولكن أبرزها هي تلك المشكلة التي سرعان ما تنتاب غالبية المؤسسات الرسمية العربية، وأعني انتهائها بالركون إلى الرتابة والروتينية وتوقفها عن الابتكار والإبداع وعن السعي الدائم للتجدد والتجديد واستثمار المعطيات العصرية المتطورة باستمرار.. لذا يتحول من يعمل فيها إلى مجرد موظف ينتظر نهاية الشهر كي يقبض راتبه، والطالب إلى مجرد دارس للمقرر من المنهج بهدف الحصول على الشهادة في نهاية الموسم الدراسي.
*ما هي برأيك الشروط المصاحبة لدراسة لغة غير اللغة الأم؟.
ـ عدا ضرورة توفر الرغبة الحقيقية للتعلم كشرط أول وأساسي، أرى بأن يحاول الدارس التعرف والاطلاع بأوسع وأكبر قدر ممكن على عموم ثقافة اللغة التي يريد تعلمها، وأعني هنا الفنون والآداب والعادات والتقاليد والتاريخ وغيرها، فهي من جهة تعينه كثيراً على تعلم وفهم تراكيب ودلالات اللغة التي يتعلمها ومن جهة أخرى تيسر له سبل التعامل لاحقاً مع أبناء ومنتجات ثقافة هذه اللغة المدروسة.
*يقال أن المترجم بطبعه إنسان غير اجتماعي ولذا لا ترى روح الفريق الواحد تشيع بين المترجمين الذين يعملون في إدارات وهيئات ومنظمات كبير، ما السبب وراء ذلك؟.
ـ هذا قول نسبي، فكون إنسان اجتماعي أو غير اجتماعي إنما يعود في الأصل لطبيعة كل شخصية منفردة على حدا وليس للمهنة، ولا أتفق مع وصم المترجمين بشكل عام بكونهم غير اجتماعيين، فيما هم يتعلمون ويتعايشون مع ثقافتين ومجتمعين مختلفين أو أكثر وغالباً ما ينجحون في ذلك ويكونون جسوراً بينها، أما عن كونهم يفضلون العمل الفردي على الجماعي أثناء ممارسة عملية الترجمة ذاتها فهو في رأيي عائد لكون الترجمة في جانب كبير منها فن وإبداع لكل فيها أسلوبه وخصوصيته في طبيعة العمل مما يجعل المترجم يشعر بالعب وعدم الانسجام عندما تتداخل الأساليب وطرق العمل والمفاهيم على نص واحد.
*ما هي أهم المخاطر التي تحدق باللغة العربية؟.
ـ ربما أهم المخاطر هو في اعتبار البعض لها بأنها (مقدَّسة)، الأمر الذي يعيق أية نية لمراجعتها وتحديثها وخاصة فيما يتعلق بقواعدها التي مرت عليها قرون وتشكل الآن عائقاً كبيراً أمام الأجانب الذين يرغبون بتعلمها، بل أنها قواعد تصعب حتى على الغالبية من الناطقين بها. لذا أرى أن تأخذ على محمل الجد تلك النداءات التي دعت إلى مراجعة قواعدها وتبسيط ما يمكن منها.
*لماذا لا يتم إحياء مشروعات الترجمة الكبرى التي كان لها الفضل في ازدهار حضارتنا مثل "مدرسة طليطلة" في إسبانيا و"دار الحكمة" في بغداد؟.
ـ هذان المشروعان التاريخيان في الترجمة قد تم إحيائهما بالفعل وبشكل ناجح، حيث قدمت (دار المأمون) في بغداد الثمانينات سلسلة مهمة ومدعومة ومنتقاة من الكتب المترجمة التي نفعتنا كقراء في حينها كثيراً وبقي ما أنتجته يمثل ركناً ثرياً في مكتباتنا، ولكن للأسف توقف هذا المشروع مبكراً ويحتاج إلى إعادة تفعيل جديدة، أما عن (مدرسة طليطلة) فهي موجودة ومستمرة في مدينة طليطلة نفسها لكن المؤسف أيضاً هو توقف مشروعها من سلسلة إصدارات ذاكرة المتوسط التي كانت تنتقي بعض مذكرات المبدعين العرب وتنقلها إلى ثمان لغات أوربية في وقت واحد.


*هل من كلمة توجهها لمكتب تنسيق التعريب في المغرب/ أو المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم في تونس؟.
ـ نعم، فقط أقول لهم: إننا نسمع بكم ولا نراكم!!.
*هنالك حالة من التأخر سواء في الترجمة أو النشر، لمن تعزي الأسباب ومن يتحمل المسؤولية في نظرك؟.
ـ سوء حال الترجمة والنشر لدينا هو جزء من سوء الحال العام على كل أصعدته.
*من في رأيك مهمته أصعب: المترجم الفوري أم المترجم التحريري؟
ـ بلا شك إن مهمة المترجم الفوري هي الأصعب.
*ما أهم الصعوبات التي تواجه المترجم العربي؟.
ـ إيجاد دار نشر تتبنى طباعة ونشر عمله وتنصفه مادياً. جِد لي ناشراً عربياً منصفاً وسأجد لك من يترجم لك العمل الذي تريد من أية لغة شئت.
*وما هي مشاكل المترجم الغربي؟.
ـ حتماً هم لهم مشاكلهم أيضاً ولكنها لا تُقاس بحجم وطبيعة مشاكلنا، فأصدقائي من المترجمين الغربيين يعيشون بشكل جيد من خلال عملهم في الترجمة فقط، ومع ذلك فهم يطالبون كل يوم بالمزيد من الحقوق التي صارت في بعض الأحيان تكاد تشابه حقوق المؤلف الأصلي، ومن ذلك مثلاً نسبة في واردات البيع ونسبة من الـ 10% المستحصَلَة سنوياً كضريبة عن الاستنساخ وغيرها، بعضهم يشكوا أيضاً بأنه لا يجد دار نشر تتبنى ما يختاره هو وفق ذائقته الخاصة وإنما تأتيه الأعمال مقررة من قبل دور النشر. وفي محاضرتي التي ألقيتها في معرض الكتاب في مدريد بدعوة من رابطة المترجمين والكتاب الأسبان، أثارتهم الشواهد التي عرضتها عليهم في كون المترجم العربي، وعلى الرغم من أنه مهضوم الحق مادياً، إلا أنه يحظى بتقدير معنوي كبير فيحوز شهرة ويوضع اسمه على غلاف الكتاب أسوة بالمؤلف، وذلك لأن المعتاد لديهم هو أن يوضع اسم المترجم داخل الكتاب ضمن قائمة المعلومات الخاصة بالنشر وبخط صغير، وقد أثار هذا الأمر جدلاً واسعاً بينهم وأدرجوه ضمن الحقوق التي سيسعون للمطالبة بها.. وأعرف شخصياً منهم من صار يصر على وضع هذا الأمر كشرط في عقوده مع الناشرين ونجح في ذلك.
*ما رأيكم في إشكالية المصطلح في العالم العربي؟ وكيف السبيل إلى حلها؟.
ـ إشكالية المصطلح لا يقتصر وجودها على العالم العربي فحسب وإنما هي إشكالية موجودة في كل العالم بنسب متفاوتة، وهي إحدى الإشكاليات التي نبهت إليها الفلسفة مبكراً وأكد عليها برجسون معزياً إلى الاختلاف في فهم المدلولات لكل مصطلح الكثير من الاختلافات الفكرية والثقافية، لذا لا أعتقد بأن لها حلاً حاسماً وخاصة كونها نتاجاً لغوياً وثقافياً، ومن طبيعة نتاج من هذا النوع هو استحالة إخضاعه الكامل للتصنيف العلمي المادي وتفصيل زياً موحداً للدلالات ومداليلها، بل على العكس أرى في تباين فهمها هذا جزء من ثراءها وهو من صلب تركيبة مكوناتها أصلاً.
*يشير أحدث تقارير اليونسكو عن التنمية الثقافية العربية إلى أن ما ترجمه العرب من جميع اللغات إلى لغتهم خلال الألف سنة الماضية لا يساوي ما ترجمته إسبانيا في سنة واحدة في عصرنا، ما ردك على هذا القول؟.
ـ هذا صحيح للأسف، ولا يعود السبب إلى قلة في المترجمين، فأنا أعتقد بأن العرب لديهم من المترجمين، من حيث العدد والجودة، ما ليس لدى أية أمة أخرى وعن كل اللغات، والعرب مشهود لهم بسرعة تعلمهم للغات وقدرتهم على ضبط لفظها ومعايشتها أكثر من غيرهم، هذا إضافة إلى ما أنتجته الملايين المهاجرة منهم من طاقات لم يتم استثمارها عربياً بالشكل الصحيح حتى الآن، إذاً فهي طاقة أخرى من الطاقات العربية المهدورة وغير المستَثمَرَة بالشكل الصحيح. وكان جبرا إبراهيم جبرا يقول:" لو أن كل عربي حصل على الماجستير أو الدكتوراه، في أي حقل من حقول المعرفة، في إحدى جامعات العالم الخارجي، نقل إلى العربية كتاباً واحداً فقط من الكتب التي درسها أو رجع إليها أو أُعجب بها، لكانت لدينا الآن مكتبة تراجم رائعة.. وإذا لم يحدث ذلك، وإذا لم يترجم كل عربي تثقف بالمعارف المعاصرة، أكثر من كتاب واحد، فإننا سنبقى متخلفين. إذا افترضنا أن الحياة العلمية والعملية لمثل هذا المثقف تقاس، مثلاً، بخمس وعشرين سنة، ألا يحق لنا أن نتوقع منه (إلا إذا كان مؤلفاً إبداعياً، فإننا حينئذ سنكتفي به مؤلفاً ونحسد أنفسنا عليه) كتاباً واحداً يترجمه كل خمس سنوات؟. وبذلك يحقق لنا ـ وهذا أضعف الإيمان ـ ترجمة خمس كتب مهمة، على الأقل، طوال حياته الفاعلة". وهذا أمر يمكن تطبيقه، لو أن كل جامعة أو مؤسسة، مثلاً، فرضت على العائد من الخارج لتعيينه ما طالبه به جبرا إبراهيم جبرا وتبنت هي نشر ما يترجمه، أو تقوم وزارات التعليم أو الثقافة أو دور النشر الرسمية بتبني الأمر.. وهكذا.
*هل يمكن لكم أن تحدثوننا عن واقع الترجمة من الإسبانية في العالم العربي؟.
ـ منذ بداية عقد الثمانينات في القرن الماضي وحتى اليوم انتعشت الترجمة إلى العربية من الإسبانية بشكل كبير وخاصة في مجال ترجمة الأدب بفضل الإقبال الواسع على ما حققه أدباء اللغة الإسبانية وخاصة الأمريكولاتينيين، بحيث صار الكم المترجم عن الإسبانية يساوي وينافس وقد يتغلب في بعض الأحيان على ما اعتدنا عليه سابقاً من ترجمات عن الإنكليزية والفرنسية، وبرزت أسماء لامعة كثيرة وتستحق كل الاحترام والتقدير من المترجمين العرب عن الإسبانية، منها (على سبيل المثال لا الحصر) : الدكتور طلعت شاهين، صالح علماني، إبراهيم الخطيب، عبدالهادي سعدون والدكتور رفعت عطفة وغيرهم.
*ما نصيحتك للمترجم العربي كي يطور من قدرته وكفاءته؟.
ـ أن يقرأ ويقرأ ويقرأ.. ثم يترجم.
*يلاحظ أن هنالك حلقة مفقودة بين المترجمين الكبار والمترجمين الشباب بحيث لا يستفيدون من خبراتهم، كيف يمكن إحداث هذا التواصل (إعادة هذه الحلقة)؟.
ـ لا أظن بأن لهذه (الحلقة المفقودة) من وجود، فالمترجمين الشباب هم، بديهياً، يمثلون امتداداً لمن سبقهم، لأنهم إما أن يكونوا قد درسوا وتخرجوا على أيدي الأساتذة الذين سبقوهم، أو أن يكونوا، على الأقل، قد قرأوا لهم ما ترجموه وما كتبوه من تنظيرات في ميدان الترجمة. والأمر، أيضاً، يعتمد على مدى جدية المترجم الشاب في احترافه للترجمة أو حرصه على الإلمام ومعرفته بأجيال وأعمال سلفه من ممتهنيها.
*تمر الحضارات وثقافات الأمم والشعوب بأزمة حقيقية في ظل العولمة. حسب رأيكم، ما هو السبيل إلى صون خصوصية الأمة العربية بالذات في خضم العولمة؟.
ـ أن تَعرف هذه الأمة نفسها أولاً، أن تُدرك ما هي خصوصيتها، وما هي هويتها.. وما الذي تريده تحديداً، ثم بعد ذلك نتحدث عن (سبل الصون!).
*لماذا يقال أن في الترجمة الأدبية إعادة كتابة أو إعادة خلق أكثر من كونها ترجمة وذلك لأن المترجم يعيد كتابة النص الأدبي كل بطريقته أو أسلوبه الخاص؟.
ـ لأن العمل الأدبي يختلف عن غيره ـ كالعلمي أو الوثائقي ـ في كون اللغة هي بدنه وروحه ومادة نسيجه الفني وتكوينه الأساسية، وكما يقول بورخس إن أصل مفهوم الترجمة الحرفية ليس أدبياً. وغابريل غارثيا ماركيز يبدي إعجابه بمترجمين رواياته فيقول:" أعتقد بأن أعمالي قد أعيد إبداعها بالإنكليزية تماماً، فهناك أجزاء يصعب نقلها حرفياً. لدي انطباع بأن المترجم قد قرأ الكتاب كله ثم أعاد كتابته بالاعتماد على ذاكرته؛ لهذا فأنا معجب بالمترجمين، إنهم حدسيون أكثر منهم عقلانيين وليس المؤسف في أن الناشرين يدفعون لهم قليلاً فحسب، بل إنهم لا يعتبرون عملهم كإبداع أدبي!". إذاً فالترجمة الأدبية هي إبداع أيضاً، لذا فأنا أتفق تماماً مع ما قاله محمود درويش هنا في مدريد عند تقديم أحد أعماله المترجمة إلى الأسبانية، قال: أشكر المترجم الذي هو شريكي بتأليف هذا الكتاب باللغة الإسبانية.
*لماذا يعاد ترجمة الأعمال الأدبية الكبيرة إذا ما عرفنا أن (هاملت) قد ترجمت أربع مرات من قبل كل من الدكتور عبد القادر القط وزارة الإعلام بالكويت 1971، والدكتور محمد عوض، الطبعة الثالثة، القاهرة، دار المعارف، 2000 وجبرا إبراهيم جبرا بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر الطبعة الثالثة 1990 وآخرها ترجمة الدكتور جمال عبد المقصود 2004 على سبيل المثال؟.
ـ ولمَ لا؟ مادام لكل مترجم أسلوبه وله قُراء ومتلقين يفضلونه ويثقون به أكثر من غيره، وهذا أمر غالباً ما يحدث مع ترجمة الأعمال الكبيرة إلى مختلف لغات العالم، فقد حدث مع (هاملت) نفسه في الإسبانية أيضاً، و(الدون كيخوته) تمت ترجمته إلى الإنكليزية أكثر من عشر مرات، وسوف يُترجم مستقبلاً مرات أخرى.. وهكذا.
*هل يمكن ترجمة الشعر ـ حصرا ـ ويمكن أن تحقق الترجمة نفس التأثير في الثقافة واللغة المترجم إليها؟.
ـ بالتأكيد يمكن ترجمة الشعر.. أوليس هذا ما يحدث على مدى كل هذه القرون!. أما عن مدى تأثيره فهو حتماً يختلف من ثقافة إلى أخرى، ولكنه سيؤثر على أية حال، حتى وإن كانت ترجمته خاطئة أو ناقصة، ولنا شاهد على ذلك بتأثيرات الترجمات ـ بما فيها الخاطئة ـ للشعر الأوربي إلى العربية في منتصف القرن الماضي، وما أحدثته هذا الترجمات من فتح لآفاق التجريب والثورة المتمثلة بانتقالة الشعر العربي من الكلاسيكي العمودي إلى الحر ومن ثم مروراً بتجارب أخرى متنوعة فيه وصولاً إلى قصيدة النثر اليوم.
*بماذا تنصح المترجمين الشباب؟.
ـ أن يعززوا قناعتهم بكون الترجمة عمل نافع على الصعيدين العام والخاص، فهي على الصعيد العام بمثابة رسالة نبيلة ينفعون من خلالها مجتمعهم وثقافتهم، وعلى الصعيد الخاص فهي مهنة شريفة ومحترمة تفتح الكثير من الأبواب وفرص كسب الرزق، وأن مستقبلها دائم لا ينتهي.
*هل من كلمة أخيرة توجهها للمترجمين؟.
ـ كلمات شكر وامتنان حقيقية فبفضل صبرهم وعملهم تعلمنا الكثير الكثير.
*جزيل الشكر على جهودكم.
ـ شكراً لكم أنتم، أيضاً، على جهودكم.
------------------------------------------------------------------
*أجريت من قبل ونشرت في موقع الجمعية الدولية للمترجمين العرب، بتاريخ 8/11/2004م.

ليست هناك تعليقات: